
مغرب العالم/ بروكسل
الصحافي : يوسف دانون

في مثل هذا اليوم من كل عام، يستحضر المغاربة ذكرى وفاة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، الذي أسلم الروح إلى بارئها يوم 23 يوليوز 1999، بعد عقود من الحكم شكلت منعطفات حاسمة في تاريخ المغرب المعاصر. إنها لحظة تأمل ووفاء لرجل قاد البلاد بحكمة وحنكة، وترك بصمة لا تمحى في وجدان الأمة وتاريخها.
ولد الملك الحسن الثاني يوم 9 يوليوز 1929 بمدينة الرباط، وهو الابن البكر للملك الراحل محمد الخامس، رائد الاستقلال وباني أسس الدولة الحديثة. تلقى تعليمه في المعهد المولوي، وتابع دراسته العليا في جامعة بوردو الفرنسية، قبل أن ينخرط مبكرًا في العمل السياسي، ويشارك إلى جانب والده في معركة التحرر الوطني ضد الاستعمار الفرنسي.
ملك التوازنات والقرارات الصعبة حيث ان جلالته تولى
العرش يوم 3 مارس 1961، بعد وفاة والده. ومنذ اللحظة الأولى، وجد نفسه أمام تحديات جسيمة: بناء مؤسسات الدولة الحديثة، تعزيز الوحدة الترابية، مواجهة الأزمات الداخلية، والتفاعل مع عالم سريع التغير.
في عهده، تم وضع أول دستور للمملكة سنة 1962، وأُسست ركائز النظام الدستوري الملكي، حيث حافظ الملك على توازن دقيق بين السلطة التنفيذية والمؤسسات الدستورية، في مناخ إقليمي ودولي شديد الاضطراب.
كما عُرف عن الحسن الثاني قدرته على قراءة المتغيرات الدولية، ومهارته في نسج علاقات دبلوماسية متينة، جعلت من المغرب فاعلًا إقليميًا يحظى بالاحترام والثقة. وبرز ذلك جليًا في مواقفه من القضية الفلسطينية، ودوره الفعّال في الحوار العربي-الغربي.
استرجاع الصحراء: معركة السيادة
أحد أبرز إنجازاته التاريخية تمثل في استرجاع الأقاليم الجنوبية من الاستعمار الإسباني، عبر تنظيم “المسيرة الخضراء” سنة 1975، والتي أبهرت العالم بسلميتها وتنظيمها المحكم، وكانت تجسيدًا لعبقرية الملك في توحيد الإرادة الشعبية لخدمة الوحدة الوطنية.
لم يكن عهد الحسن الثاني يخلو من التحديات، لكنه كان أيضًا عهدًا لبناء صرح مغرب حديث، قائم على المؤسسات، والتعددية، والمبادئ الدستورية. وقد أرسى الملك الراحل دعائم الاستقرار، وفتح أوراشًا كبرى في مجالات التعليم، الفلاحة، البنية التحتية، والدبلوماسية.
وقد واصل نجله وخلفه، جلالة الملك محمد السادس نصره الله وايده، مسيرة الإصلاح والبناء، مستندًا إلى إرث والده، ومرتكزًا على تطلعات الشعب المغربي إلى مزيد من التنمية والديمقراطية.
رحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، لكن ذكراه باقية في القلوب والعقول. يظل رمزًا للسيادة الوطنية، والحنكة السياسية، والقيادة الرشيدة. وفي ذكرى وفاته، يجدد المغاربة عهد الوفاء لروحه الطاهرة، ويترحمون عليه بكل خشوع، مستلهمين من مسيرته دروس التضحية والوطنية والكرامة.
رحم الله الحسن الثاني وأسكنه فسيح جناته، وجعل مثواه روضة من رياض الجنة.