
في لقاء خاص بثته إذاعة FMF ضمن برنامج “في صميم الحدث”، قدّم الدكتور عبد القادر الكيحل، الأستاذ الجامعي والبرلماني، قراءة تحليلية مستفيضة لمضامين الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس على عرش المملكة، مشيدًا بما حمله الخطاب من رسائل قوية تتعلق بتكريس دولة المؤسسات، وترسيخ العدالة الاجتماعية، وتعزيز الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، مع التركيز على العنصر البشري باعتباره محورًا أساسيا للتنمية.
العفو الملكي ومكانة السجناء في المشروع المجتمعي
وتوقف الدكتور الكيحل عند قرار العفو الملكي السامي الذي شمل عددًا من السجناء بمناسبة عيد العرش، معتبرًا هذه المبادرة تعبيرًا عن روح الرحمة والإنصاف التي يتميز بها جلالة الملك، ودعوة واضحة لإعادة إدماج من أبانوا عن حسن السلوك والنية الصادقة في التغيير.
وفاة طبيب معتقل في سجن طنجة تثير التساؤلات
وفي سياق الحديث عن أوضاع المؤسسات السجنية، تطرق الكيحل بأسى بالغ إلى حادثة وفاة طبيب سبعيني داخل سجن طنجة، كان رهن الاعتقال الاحتياطي على خلفية ملف يخص موضوع الإجهاض، دون صدور حكم قضائي نهائي في حقه.
القضية التي هزّت الرأي العام تعود إلى رفض الطبيب المتوفى إجراء عملية إجهاض لسيدة زارته بعيادته، ناصحًا إياها بمراجعة طبيبة مختصة. هذه الإحالة البسيطة، التي لا تحمل في ظاهرها أي مخالفة صريحة، استُعملت لاحقًا كقرينة لإدخاله دائرة الاتهام، بعد أن تم توقيف السيدة لدى طبيبة نساء بمدينة طنجة، والتي صرّحت بأنها توجهت إلى هناك بإحالة من الطبيب المذكور.
ورغم تقدم الدفاع بملف طبي يُظهر الوضعية الصحية الحرجة للطبيب، من أمراض مزمنة وتقدم في السن، فُرض عليه الاعتقال الاحتياطي دون مراعاة لخصوصيته الإنسانية ولا لقرينة البراءة التي يكفلها الدستور. وبعد أيام قليلة من اعتقاله، لفظ الطبيب أنفاسه الأخيرة داخل الزنزانة، دون أن يصدر في حقه أي حكم إدانة.
العدالة بين النص والتطبيق
اعتبر الكيحل أن هذه الواقعة المؤلمة تطرح بحدة قضية ترشيد الاعتقال الاحتياطي، مؤكدًا أن “العدالة لا تكتمل فقط بالإجراءات القانونية، بل يجب أن تكون مؤطرة ببعد إنساني، خصوصًا في حالات المعتقلين المرضى أو المسنين”. وأكد أن مثل هذه المآسي تمس ثقة المواطن في العدالة، وتفرض مراجعة شاملة لممارسات بعض الأجهزة القضائية التي تتعامل مع الاعتقال كخيار سهل بدل التحقيق الدقيق والمتروي.
ضرورة إصلاح ثقافة الاعتقال
ودعا الكيحل إلى إصلاح عميق لثقافة “الزج المباشر في السجن”، مشددًا على أن الاعتقال يجب أن يُستخدم فقط في الحالات القصوى التي تشكل خطرًا فعليًا، مع احترام مبدأ قرينة البراءة، وتوفير محاكمات عادلة تحترم كرامة الإنسان، خاصة بالنسبة للفئات الهشة أو المتقدمة في السن.
كما أشار إلى ضرورة إعادة النظر في النصوص القانونية المتعلقة بالإجهاض، والتي تضع الأطباء في مواجهة التأويلات المتضاربة، وتجعل من ممارساتهم المهنية موضع تجريم محتمل حتى دون نية أو فعل مباشر.
خاتمة: العدالة لا تكتمل دون رحمة
وختم الدكتور عبد القادر الكيحل حديثه بدعوة إلى ترجمة التوجيهات الملكية إلى برامج عملية تلامس واقع المواطن، وتعزز ثقته في المؤسسات، لا سيما في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة. كما شدد على أن وفاة الطبيب ليست فقط حادثًا عرضيًا، بل مؤشر خطير على الحاجة لإصلاح عميق في فلسفة العدالة، بحيث تضع الإنسان وكرامته في قلب كل قرار.