أكدت رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، لطيفة أخرباش، أن “الدراية الإعلامية” تؤهل الطفل ليصبح مواطنا وفاعلا رقميا كفؤا ومسؤولا في الآن ذاته.
وقالت السيدة أخرباش، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة والتلفزة للأطفال ، إن “الدراية الإعلامية التي نحتاجها هي التي تؤهل الطفل ليصبح في الآن ذاته مواطنا وفاعلا رقميا كفؤا ومسؤولا”، معتبرة أن تقوية الدراية الإعلامية للناشئة هي السبيل الناجع والمستدام لتمكين الأطفال من مواجهة مخاطر التحول الرقمي وإرساء استهلاك نقدي ومطلع ومستنير.
ويقصد بالدراية الإعلامية تمكين مستخدمي وسائل الاتصال والإعلام على الخصوص من اكتساب المعرفة حول وظائف وسائل الإعلام؛ وآليات إنشاء المحتوى وتوزيعه؛ وتأثيرات وسائل الإعلام؛ وحقوق الأشخاص في المعلومات والتعبير؛ ومسؤوليات أولئك الذين يستخدمون وسائل الإعلام ويتوسطون فيها ويتحكمون فيها؛ واستخدام التقنيات الجديدة والناشئة.
وأوضحت السيدة أخرباش أن المغرب وعلى غرار باقي دول العالم، يتأثر بالتحولات المتعددة والمتسارعة للتحول الرقمي للإعلام والتواصل، وخاصة ما يترتب عن وجود المواطن وسط منظومة رقمية شمولية؛ وتطور الإذاعات والقنوات التلفزية وسط منظومة تنافسية تضم وسائل الإعلام العابرة للحدود وكبريات المنصات الرقميةالعالمية؛ وسطوة محتويات المنصات الشمولية وشبكات التواصل الاجتماعي غير المقننة والحاملة لمخاطر؛ مع ما يتيحه التحول الرقمي للتواصل والإعلام من فرص جديدة في مجال الولوج إلى المعلومة وحرية التعبير والابتكار والإبداع.
وسجلت أن الناشئة تبقى أبرز الفئات المعنية بسائر هذه الآثار التي تعكس بعض معالم ما بات يعرف بالوجود الرقمي للإنسانية، لاسيما المخاطر التي ينطوي عليها هذا التحول الرقمي، سواء على مستوى استخدام الدعامات أو على مستوى استهلاك المحتويات.
وأبرزت أن ورش الدراية الإعلامة يعد أحد الأوراش الكبرى التي تشتغل عليها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري انسجاما مع المرجعية الدولية التي تحدد أربع دعامات أساسية لحقوق الطفل، والمتمثلة في الحماية والتعزيز وتقديم الخدمات والمشاركة، مسجلة أنه اقتناعا “بأن التفكير النقدي لا يُنتج أو يُتلقى، بل هو مهارة تتطور عبر الزمن، فإنها( الهيئة) تعتبر أن ورش تقوية الدراية الإعلامية لدى الناشئة، ليس وقفا على الإعلام، بل يستدعي انخراط سائر فضاءات التنشئة الأخرى، وعلى رأسها المدرسة”.
وفي معرض ردها على سؤال بخصوص الآليات القانونية التي تؤطر الإعلام الموجه للأطفال والرامية إلى حمايتهم من المحتوى الضار، أكدت رئيسة الهيئة أن المملكة ما فتئت تولي عناية خاصة لقضية حماية الجمهور الناشئ من المحتويات الإعلامية التي من شأنها أن تضر بسلامة الأطفال النفسية أو العقلية أو الجسدية، مشيرة إلى إرساء المشرع المغربي على مدى سنوات لترسانة قانونية حمائية مناسبة.
وذكرت بأن المغرب صادق قبل أكثر من ثلاثين سنة، على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نونبر 1989، حيث تلتزم المملكة بموجبها باستحضار حاجة الطفل، نظرا لعدم نضجه البدني والعقلي، إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة، كما تلتزم بتشجيع وسائط الإعلام على نشر المعلومات والمواد ذات المنفعة الاجتماعية والثقافية للطفل، مع العمل على وضع مبادئ توجيهية ملائمة لوقاية الطفل من المعلومات والمواد التي تضر بمصلحته.
وأضافت “غني عن البيان أن النصوص القانونية التي مهدت لتحرير القطاع السمعي البصري والتي أتت في سياق المنحى الإصلاحي العام الذي عرفته مختلف المجالات منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله العرش، وعلى رأسها مجال الحقوق والحريات، وفرت إطارا قانونيا من شأنه تأمين حماية مناسبة للأطفال من المحتويات الإذاعية والتلفزية الضارة بمصلحة هذه الفئة من الجمهور”، مستحضرة بالخصوص المبادئ والتوجيهات المنظمة لحماية الناشئة في وسائل الاتصال السمعي البصري، لاسيما تلك المتضمنة في القانون المتعلق بالاتصال السمعي البصري، أو الظهير الشريف القاضي بإحداث الهيئة، أو قرارات المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري أو دفاتر تحملات الإذاعات والقنوات التلفزية، العمومية والخاصة، أو الإصدارات التي أنجزتها الهيئة بهذا الخصوص.
وأوضحت، في هذا الصدد، أنه اعتبارا لانتدابها المؤسسي كهيئة دستورية مستقلة للحكامة تتولى تقنين الاتصال السمعي البصري، تعمل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري على حث الإذاعات والقنوات التلفزية، العمومية والخاصة، على إيلاء موضوع المنتوج الموجه للأطفال وحمايتهم الأهمية اللازمة، بدءا بالحرص على أن تتضمن دفاتر تحملات كل متعهد على حدة التزامات برامجية خاصة ودقيقة في هذا الشأن ، وهي الالتزامات التي تسهر الهيئة العليا على تتبع ومراقبة مدى احترامها، بل وإصدار قرارات زجرية تراعي مبدأي الضرورة والتناسبية، في حال تسجيل إخلال المتعهدين بها.
فالهيئة، توضح السيدة أخرباش، تتدخل في حالة بث إشهار من شأنه أن يلحق ضررا معنويا أو بدنيا بالقاصرين لاسيما بتشجيع القاصرين بصفة مباشرة على شراء منتوج أو خدمة عن طريق استغلال قلة تجربتهم أو سذاجتهم، أو حثهم بصفة مباشرة على إقناع آبائهم أو الأغيار بشراء المنتوجات أو الخدمات المعنية؛ أو استغلال أو زعزعة الثقة الخاصة للقاصرين إزاء آبائهم ومعلميهم والأشخاص الذين لهم سلطة شرعية عليهم؛ أو تقديم قاصرين في وضعية خطيرة دون سبب مشروع.
ولم يفت رئيسة الهيئة التأكيد على الأهمية الخاصة التي يتم إيلاؤها لموضوع مشاهد العنف، لاسيما تلك التي قد تتضمنها الأعمال التخييلية المقدمة، نظرا لتأثير ذلك على السلامة النفسية والبدنية للجمهور الناشئ، مبرزة أن السهر على تتبع مدى احترام البرامج لنظام الشارات المنصوص عليه في دفاتر تحملاتها، يعد من بين المداخل التي تُعملها الهيئة بهذا الخصوص.
ولكون العالم البصري (التلفزيون + الصورة) يستأثر بالحيز الأكبر من اهتمام الطفل، توقفت السيدة أخرباش عند المبادرات الكفيلة باسترجاع دور الإعلام السمعي (الإذاعة) في تطوير الملكات الإبداعية للطفل وخياله، موضحة أنه على مدار عقود اضطلعت الإذاعة بدور ملحوظ في توعية عموم المستمعين والأطفال على وجه خاص، من خلال المواضيع التي تخصصها البرامج الإذاعية للناشئين، كإحدى الممارسات الفضلى في مجال تقوية التقارب بين مجالي الإعلام والتربية وأثرها على تنمية وإذكاء وعي الطفل.
واستحضرت الخبيرة في مجال الإعلام عدة دراسات أثبتت كيفية مساهمة الإذاعة بدور فعال ومؤثر في تنمية الملكات اللغوية لدى الطفل، على مستوى النطق السليم للكلمات وإدراك الدلالة والمعنى للرصيد اللغوي الذي يتلقاه الطفل عبر الإذاعة نهاية كل أسبوع، مما ينمي حصيلته اللغوية ويرفع مستوى نموه العقلي والعاطفي والنفسي والاجتماعي، مضيفة أن الهيئة العليا ترى أنه من الضروري اعتماد المتعهدين لمضامين تعدها وتقدمها الناشئة للناشئة، وتتناول مواضيع تهم الناشئة ومواضيع من منظور الناشئة، إعمالا لمبدأ الاشتمالية في مختلف مستوياته.