الصحافي بوشعيب أمين / إيطاليا
وأنا أتابع ما يجري في وطني الحبيب المغرب، أكاد لا أصدّق أن الأمور قد وصلت إلى ما وصلت إليه مع هذه الحكومة التي لا تخاف من عواقب سياستها الهوجاء، التي لا تخدم سوى مصالحها الشخصية ونزوات بعض أعضائها.
فهذا عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية رجل الأعمال والسياسي مغربي، ورئيس “مجموعة أكوا” صاحبة العلامة التجارية إفريقيا غاز والأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، والذي سبق أن شغل منصب وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ما بين 2007 و2021. مُتّهم من طرف عدة فاعلين، بأنه دخل عالم السياسة ليزاوج بين المال والسلطة، وليستغلّ النفوذ ومواقع المسؤولية، لحماية مصالحه الشخصية، ومن أجل جني أرباح لشركاته بشكل غير شرعي.
وهذا عبد اللطيف وهبي وزير العدل، يساري قديم، ضرب بعرض الحائط كل المبادئ اليسارية التي تربى عليها في الشبيبة الاتحادية وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليحط الرحال في حزب مخزنيّ أسسه فؤاد عالي الهمة مستشار الملك. متهم بإفساد الحقل السياسي من خلال اعتبار الوزارة ضيعة خاصة يفعل فيها ما يشاء، بحجة أنه ثري وورث الثراء أبا عن جد، كلما فتح فاه أمام الصحافة أثار زوبعة من الجدل وراءه.
وهذا شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، الذي يحمل الجنسية الفرنسية إلى جانب جنسيته المغربية، تكنوقراطي تولى وزارة الداخلية ما بين فبراير/شباط 2006 ويناير/كانون الثاني 2010، وبعد ذلك تمّ تعيينه سفيرا للمغرب بباريس، ثمّ كلفه الملك برئاسة اللجنة الخاصة بتحضير النموذج التنموي الجديد. ورغم أنه لا يحمل أية خلفية سياسية، وبعيد كل البعد عن ميدان التربية والتعليم، فقد تمّ تكليفه بتسيير قطاع حساس هو قطاع التعليم، ليخلق أزمة تعليمية غير مسبوقة في المغرب، حيث عرفت ” المدارس المغربية منذ ما يقرب شهرين شللا وتوقفا عن الدراسة بالقطاع العام، وبالتالي حرمان الآلاف من التلاميذ من الحق في التعليم، في أفق ضرب مجانية التعليم المغربي العمومي، وتحويل المدرسة العمومية المغربية لمقاولة تمتص دماء الآباء والأمهات”. على حد قول الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، التي قررت رفع شكاية لدى محكمة النقض في حق بنموسى وزير التربية والتعليم الأولي والرياضة.
هؤلاء الوزراء الثلاثة، هم من يتحمّل المسؤولية المباشرة عن تأزيم التعليم، فرئيس الحكومة هو من ” يتحمل مسؤولية وضعِ النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية، والمصادقة عليه وإصداره في الجريدة الرسمية”. وعبد اللطيف وهبي وزير العدل متّهم بصبّ الزيت على الاحتقان الذي تشهده الساحة التعليمية من خلال تصريحات غبية هاجم فيها الأساتذة المحتجين، وهي التصريحات التي جاءت معاكسة لنداءات العديد من الفعاليات السياسية والحقوقية إلى الجهات المسؤولة بالعمل على امتصاص غضب الأساتذة عوض الرفع من حدته.
وأما وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، فهو المسؤول عن وضع وتنزيل النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، الذي تسبّب في الأزمة الراهنة، ومن عجبي أن هذا النظام المؤطر لعمل نساء ورجال التعليم أشرفت عليه كتيبة من “التقنوقراطيين” الذين يفتقرون للخبرة الكافية، ولا تربطهم صلة مباشرة بقطاع التربية الوطنية سوى علاقاتهم بالوزير، عبر اشتغالهم إلى جانبه داخل لجنة صياغة النموذج التنموي الجديد، التي كان يرأسها.
إن الأعطاب التي تعاني منها هذه الحكومة هي أعطاب ذاتية، ناتجة عن عدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، فبينما يزخر المغرب بكفاءات سياسية وأطر راكمت تجارب وخبرات عن قرب، يتمّ تعيين من لا يفقهون شيئا في المجالات التي وضعوا فيها، مع تمتيعهم بصلاحيات واسعة، تجعل منهم الآمرين الناهين في كل صغيرة أو كبيرة، في وقت يتمّ تهميش الذين راكموا خبرة طويلة، وتمرّسوا بمهام ومسؤوليات كبيرة في الميدان. ولعل أصدق مثال على هذا هو قطاع التربية والتعليم، حيث يرى عدد كبير من السياسيين والمتابعين أن” جزءا كبيرا من الأزمة التي دخلها قطاع التعليم، خاصة مع تنزيل النظام الأساسي الجديد لموظفي الوزارة، وما أعقبها من إضرابات واحتجاجات متواصلة، ناتج عن الرؤية التقنوقراطية للوزير بنموسى والمحيطين به، الذي لا يفقهون شيئا في مجال التربية والتعليم”ّ
بالأمس أيام الحكومات السابقة، بمجرد ما كانت النقابات العمالية تعلن عن يوم إضراب، كان الحسن الثاني رحمه الله، يبادر إلى إصدار أوامره إلى الحكومة بإجراء حوار بنّاء وإيجاد الحلول المناسبة التي ترضي جميع الأطراف، وغالبا ما كان الحوار يفضي إلى التوقيع على ميثاق وطني يتضمن مجموعة من الالتزامات والتوافقات بفضل الإرادة الجماعية لأطراف الحوار، والرغبة في إنجاح الحوار من أجل نزع فتيل الاحتقان الاجتماعي.
واليوم وعلى الرغم من مرور أكثر من ستة أسابيع من الإضرابات، والاحتجاجات التي طالت جميع المدن المغربية، لم تُبدِ حكومة أخنوش عزمها الصادق لإنهاء هذا الاحتقان، حيث يرى فاعلون من ميادين مختلفة، أن مطالب الأساتذة واضحة، وأن الحكومة مطالبة بالتفاعل معها بشكل إيجابي، عوض الجلوس في أكثر من مناسبة على طاولة الحوار مع النقابات دون جدوى، في إصرار حكومي عجيب ومثير للشكوك، على تأزيم الوضع على مستوى قطاع التعليم.
لقد أصبحت لدينا قناعة بأن هذه الحكومة تعاند الأساتذة، وأنها تسير نحو هدف مُخطط له من قبل أيادٍ خفية، ألا وهو تدمير المدرسة العمومية!
فلاش: يوم الأحد الماضي خرج عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، معلقا على الاحتقان الذي تعيشه الساحة التعليمية عقب صدور النظام الأساسي للتعليم، إن “هذا النظام أخرجته الحكومة ورفضه الأساتذة”، مضيفا أن “خروج الأساتذة للإضراب وتعريض أنفسهم للاقتطاع من الأجور يعني رفضهم له رفضا حقيقيا لأنه يضر بهم وغير منسجم مع ما قالته الحكومة في الأول”. ومقابل دعوته الحكومة لسحب النظام الأساسي لرجال ونساء التعليم، دعا بنكيران الأساتذة واعظا إياهم إلى الرجوع إلى أقسامهم، وأن لا يتركوا أبناء المغاربة في الشارع.
لا أدري من أي طينة صُنع هذا الشخص، ألا يعلم أن السبب الرئيس في رفض هذا النظام من قبل الأساتذة هو تكريسه نظام التعاقد الذي فرضه هو شخصيا على أبناء المغاربة عندما كان رئيسا للحكومة، رغم التحذيرات التي وجهها له الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، بأنه سيخلق شرخا داخل الأسرة التعليمية وبالتالي سيكون له انعكاسات كبيرة بالنسبة للتعليم في بلادنا، وعدم استقرار وسيخلق مشاكل كبيرة.
وها اليوم نرى نتائج ما زرعه بنكيران حيث تعيش البلاد اليوم أزمة خانقة، ليس على مستوى قطاع التعليم فقط ولكن على مستوى جميع القطاعات الاجتماعية. فماذا عساني أقول ردّا على هذا الكيان السياسي الذي لا يستحيي. لا يسعني إلا أن أردد هذه الابيات من قصيدة أحمد شوقي التي يقول فيها:
بَرَزَ الثَعلَبُ يَوماً *** في شِعارِ الواعِظينا
فَمَشى في الأَرضِ يَهذي ***وَيَسُبُّ الماكِرينا
إلى أن يقول:
مُخطِئٌ مَن ظَنَّ يَوماً *** أَنَّ لِلثَعلَبِ دينا