
الصحافي أمين بوشعيب/ إيطاليا

ماذا يحدث في المغرب؟ وهل فعلا هناك نية وإرادة واضحة لتكميم الأفواه وتعميم القمع والمتابعات القضائية ضد بعض الصحافيين والحقوقيين والمدونين والمناهضين للتطبيع، والفاضحين للفساد والرشوة ونهب المال العام؟ وما الهدف من المحاكمات ذات الطبيعة الانتقامية من المدونين والصحفيين والحقوقيين المغاربة؟ فهل تريد حكومة أخنوش إعادة سنوات الجمر والرصاص التي عرفت بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ما بين 1956 إلى غاية 1999، إلى الواجهة؟
هذه مجموعة من التساؤلات والتحذيرات أطلقتها بعض الهيئات الحقوقية بالمغرب، تدق من خلالها ناقوس الخطر بأن المغرب يتجه نحو قمع ممنهج لحرية التعبير والرأي، وتكميم الأفواه.
لكن السؤال المطروح، هو من المستفيد من هذا التوجه؟ ومن يدفع الثمن؟
يقول محمد الغلوسي المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال أن “هذا التوجه بدأ بالتهديد والوعيد وانتهى إلى ترجمة ذلك على أرض الواقع بإقامة المحاكمات وإصدار أحكام قاسية في مواجهة المنتقدين والرافضين لواقع الفساد والغلاء والاحتكار، وذلك كخطة استباقية لأي تحول نوعي يمكن أن يحصل على مستوى الوعي المجتمعي اتجاه القضايا العادلة”
ونبه إلى أن “هذا التوجه الذي بات اليوم يعبر عن نفسه سياسيا وبكل وضوح، ويجد له امتدادات في مؤسسات الدولة ومجالات مجتمعية مختلفة، هو نفسه المستفيد من واقع الفساد والريع والثروة وتضارب المصالح والإثراء غير المشروع، ويقاوم كل المبادرات والمشاريع والأفكار التي من شأنها ان تدفع في اتجاه تعميق الإصلاحات وتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي”
وأضاف “هذا التوجه هو الذي دافع بقوة من أجل منع الجمعيات من التقدم بشكايات ضد ناهبي المال العام، بل والأخطر من ذلك أن نفوذه وتغوله امتد إلى النيابة العامة ومنعها من تحريك الأبحاث والمتابعات القضائية، وهو نفسه الذي هاجم الهيئة الوطنية للنزاهة وسفه عملها ومنتوجها، والتف على تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، وانقلب في سابقة خطيرة على الدستور من خلال ضرب الفصل 36 منه، وأمعن في استغلال مواقع السلطة والنفوذ والامتياز لخدمة مصالحه الاقتصادية والتفاوض مع الإدارة من موقع رئاستها لتمرير الصفقات لنفسه وشبكاته. وهذا التوجه هو نفس التوجه الذي جعلنا نستفيق على تورط شخصيات سياسية في شبكات الاتجار الدولي في المخدرات وسرقة المال العام واستغلال السلطة لمراكمة الثروة”
والذي يدفع الثمن -يقول محمد الغلوسي-: ” المجتمع هو الذي يؤدي فاتورة الغلاء والاحتكار والفساد والنهب دون أن يكون له الحق في إعلاء صوته وهو أضعف الإيمان”
مما لا شك فيه أن هذا التوجه بدأ مع وصول عزيز أخنوش إلى رئاسة الحكومة في العام 2021، وحكومته هي أول المستفيدين من هذا التوجه، وهي التي تحمي كل المستفيدين من ورائها.
لقد كنت كتبت عدة مقالات أن هناك من يدفع بالمغرب إلى الهاوية، غير أنه لا أحد يستطيع أن يفسر للمغاربة ما يجري، فعلى المستوى الحكومي هناك فشل، وعدم تحمّل المسؤولية تجاه الأوضاع الاجتماعية المتردية، وعجز بيّن في إبداع حلول لحل الأزمات الخانقة التي يعاني من جرّائها المغاربة. وعلى المستوى الشعبي هناك فئات عريضة غاضبة ومستاءة تخرج للاحتجاج على السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنهجها حكومة أخنوش التي تسيّر الشأن العام بمنطق الباطرونا.
فإذا أضفنا إلى هذا، الغضبَ الشعبيّ من الموقف السلبي لحكومة أخنوش تجاه ما يجري في فلسطين، واستمرارها في تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني رغم ما ارتكبه من مجازر وإبادة جماعية في حق أهل غزة، نكون أمام حكومة فقدت جميع مبررات بقائها.
لذلك، فأمام التراجع في المجال الاجتماعي، وأمام وقوفها ضد مطالب الشعب المغربي بإلغاء اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، فمن الطبيعي أن تعمل هذه الحكومة على قمع الأصوات المنتقدة، وتكميم الأفواه المعارضة، وذلك باستدعاء القانون الجنائي لإسكات كل الأصوات الحرة المعارضة للتوجه الحكومي.
وفي هذا السياق حذّرت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين “هِمَمْ” من الاتجاه الخطير للقمع المنهجي للرأي والتعبير، وللعقاب الجماعي وعدم مراعاة قدسية حقوق الطفل، وذلك على خلفية تتبعها لعدد من القضايا والمتابعات. وطالبت بالوقف الفوري للمتابعات في حق كافة المعتقلين السياسيين والمتابعين بسبب آرائهم، ودعت إلى “إطلاق سراح المعتقلين منهم، واستبعاد مقتضيات القانون الجنائي في كافة قضايا الرأي والتعبير”
والحق إني أجد في نفسي حيرة وذهولا من هذا الإصرار الغريب من حكومة أخنوش التي تسعى -مع سبق الإصرار والترصد- إلى هدم كل ما بناه المغرب من رصيد في مجال حقوق، حيث استحق مركزا في رئاسة اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان، في شخص السيدة نادية أمل البرنوصي، خلال الانتخابات التي جرت اليوم الاثنين 17 فبراير 2025 بجنيف. ومن قبلُ استحق أن يُنتخب، لأول مرة في تاريخه، لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لسنة 2024.
وهو ما يدلّ على المصداقية التي حظي بها المغرب داخل المنتظم الدولي نظير جهوده الرامية إلى النهوض وحماية وتوطيد حقوق الإنسان، على الصعيدين الوطني والدولي، طبقا للرؤية السامية للملك محمد السادس. فهل نترك عزيز أخنوش وحكومته يعبثون برصيد المغرب في هذا المجال؟
فلاش: من أغرب القضايا المعروضة على القضاء المغربي هذه الأيام إقدام السلطات المغربية توقيف أحد المدونين المغاربة، وإحالته على النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية، حيث سطر وكيل الملك متابعته في حالة اعتقال طبقا لمقتضيات الفصل 447-2 من القانون الجنائي، وذلك على إثر شكاية تقدمت بها السلطات السعودية لدى المصالح الأمنية بالمغرب، بدعوى أن المدون هاجم النظام الحاكم بالسعودية واتهمه بالتواطؤ مع الكيان الصهيوني ضد مناصرة القضية الفلسطينية. والغريب أن التدوينة موضوع الشكاية تعود إلى سنة 2023.
عندما اتخذت المملكة المغربية الحياد في قضية حصار قطر من طرف بعض دول الخليج ومصر، قامت السعودية عبر اعلامها بمهاجمة المملكة المغربية، حيث تصدّى المواطنون المغاربة لهذه الحملة الممنهجة ضد الوحدة الترابية للمغرب. واليوم تأتي سفارة المملكة السعودية بالرباط لترفع قضايا بالمحاكم المغربية ضد بعض المدونين المغاربة، فما الذي تغيّر؟ أظن ان بعض المحظيين من بعض الأساتذة الجامعيين والدكاترة وبعض العاملين في سلك القضاء، ممن تغريهم السعودية بين الحين والآخر بالقيام بعمرة او حج بدعوة من المسؤولين الكبار في السعودية، يضعون أنفسهم رهن الإشارة قصد الاستفادة منهم وقت الضرورة. سبحان الله مبدل الأحوال، بالأمس يهاجمون المملكة المغربية واليوم يقاضون أبناء الوطن في عقر دارهم لتكميم أفواههم! أوقفوا هذا العبث جزاكم الله خيرا.