بقلم: ذ.أمين بوشعيب -إيطاليا
قال محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام في تدوينة له على صفحته في الفايسبوك: ” إن العالق في ذاكرة المغاربة من مونديال قطر أمران لا ثالث لهما، الأول تفوق المنتخب المغربي وصناعته للفرجة والفرح والتألق، والثاني فضيحة تذاكر المونديال، التي قيل إنها تشكل أمرًا مخزيا. وقد تحدث عنها فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم أمام الكاميرا بلغة حارقة، وتوعد بأن ينال المتورطون في هذه الفضيحة جزاءهم.
وأشار محمد الغلوسي أن فوزي لقجع قد أخلف وعده الذي قطعه على نفسه، وهو في ذلك لا يختلف عن العديد من المسؤولين الذين لا يجدون أدنى حرج في نكث وعودهم، لأنهم جميعا يدركون أنهم لن يدفعوا أية فاتورة، ذلك أن نكت الوعود يجعلهم يترقون في سلم المسؤولية وليس العكس”
نعم لقد كانت مشاركة المنتخب المغربي لكرة القدم في كأس العالم بقطر مشرفة ورائعة، حيث قدّم أداء وصفه الفاعلون والمحللون الرياضيون بالمتميز، ومنح المغاربة والعالم فرجة، وقدم في الوقت نفسه دروسا التقطتها عدسات وسائل الإعلام، جعلت المغاربة والعرب يرفعون رؤوسهم عاليا افتخارا بهؤلاء الشباب.
لكن حدث آنذاك أن بعض أعضاء الجامعة الملكية المغربية، أقدموا على تشويه هذه الصورة الجميلة بارتكابهم فضيحة من العيار الثقيل، بخصوص تذاكر مباراة المنتخب المغربي التي وزعت عليهم بالمجان وحرموا منها المواطنين، ليقوموا بإعادة بيعها في السوق السوداء مقابل 600 إلى 900 دولار للتذكرة. وبانكشاف هذه الفضيحة، قامت السلطات القطرية، بإلغاء الرحلات الجوية التي كان من المفترض أن تُقل الجماهير المغربية إلى قطر لتشجيع المنتخب المغربي.
وكنتُ قد كتبتُ مقالا مباشرة بعد اندلاع هذه الفضيحة، طالبتُ فيه بضرورة محاسبة كل المتورطين في هذا الملف، وألا تمرّ هذه الفضيحة مرور الكرام، وشدّدت على أن كل من تستّر عليهم سواء داخل الجامعة الملكية أو في حكومة أخنوش يعتبر مشاركا لهم في الجريمة، بل وطالبتُ بتدخل أعلى سلطة في البلاد لتحديد المسؤوليات ومعاقبة الجناة، من أجل القطع التام، مع المحاباة واستغلال المناصب.
بعد ذلك هرع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لإخبار الرأي العام المغربي، بأن بحثا قضائيا قد فتح حول القضية ستباشره الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وحدد تاريخ 10 يناير الماضي للإعلان عن نتائج التحقيق الذي فتحته جامعته، لكن ورغم ذلك لم تظهر أية نتيجة.
ثم بعد ذلك، في رده على أسئلة الصحافة خلال ندوة صحفية عُقدت بعد مرور أكثر من شهرين على الموعد المحدد، أشار فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية إلى أن التحقيق القضائي “مازال مستمرا ومتشعبا”، وأنه ستتم متابعة المتورطين أمام القضاء. وأضاف أن كل من تورط في هذه العمليات التي لا تمت للأخلاق الرياضية وللوطنية بصلة ” سيتم وضع حد لمساره الرياضي. كما ذكر بأنه توصل بالتقرير المتعلق بالتحقيق الذي تم فتحه بالجامعة، والذي “أجمع على وجود اختلالات وحدد الدوائر التي شابتها الاختلالات”. ومع ذلك لم نسمع أن أحدا قد تمّت معاقبته، وإنما هي أخبار يتمّ تداولها هنا وهناك سرعان ما تصبح سرابا.
فهل يتعمّد رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم احتقار ذكاء المغاربة؟
أم إنه يراهن على الزمن لكي ينسى المغاربة جميعهم ما وقع؟
أم ينهج سياسة الصمت والهروب إلى الأمام التي يتقنها المسؤولون عندنا؟
لكن ما هي الرسالة التي يريد تبليغها هذا المسؤول للمغاربة؟
الفساد في المغرب أصبح غولا ضخما يفسد في الأرض ولا يصلح، وصار يخيف الجميع، بما في ذلك رئيس الحكومة، الذي اعترف في إحدى الجلسات الشهرية بمجلس المستشارين أن “الفساد نبتة خبيثة، تنمو في أي بيئة تفتقد لعناصر المناعة الذاتية، والتي ترتكز أساسا على القيم السائدة بين المواطنين، مما يحتم إيلاء العناية الكبرى للتربية والتكوين والتحسيس والإعلام، ثم المراقبة والزجر، وكل ذلك في ظل دولة الحق والقانون، وقيم الحرية والعدل والنزاهة والشفافية ” ولكن على أرض الواقع لم نرَ شيئا من ذلك.
إن قضية الفساد في المغرب أصبحت مرضا مزمنا، لا يمكن علاجه بالمسكنات والمهدئات، فكل الحكومات التي تعاقبت على الحكم- منذ الاستقلال- رفعت شعار محاربة الفساد، لكن ما حدث هو أن تلك الحكومات تذهب ويبقي الفساد يسود ويحكم.
لقد وصل المغرب إلى حالة لم يعد معها متسع لتحمّل المزيد، فالفساد ليس مجرد مسألة اقتصادية، فعواقبه الوخيمة تصيب المجتمع برمّته، إذ يؤدّي إلى انهيار شديد في البيئة الأخلاقية والاجتماعية والثقافية، ناهيك على أنه يقضي على هيبة القانون. ولعل أفدح تكلفة للفساد هي إشاعة روح اليأس بين أبناء المجتمع، ومعلوم – كما يرى علماء الاجتماع – أنه كلما ضعف الأمل انخفضت المبادرة، وعندما تنخفض المبادرة يقل الجهد، وعندما يقلُّ الجهد يقل الانجاز، وبدون إنجاز يتوارث الناس الإحباط واليأس فتنهار الدولة وتذهب ريحها.
وإلى ذلك أشار رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام في ذات التدوينة، من أن كل هذا يؤكد حدوث عطب على مستوى القنوات المؤسساتية في قيامها بأدوارها الوظيفية، بشكل سلس وفعال. مشددا أن كل ذلك هو ما يجعل منسوب فقدان الثقة في تزايد كبير، ويخلف ردود أفعال ومواقف تبحث عما تعتقده يشكل بديلا عن الأزمة الوظيفية للمؤسسات، التي يفترض فيها أن تجيب عن الإشكالات والقضايا المطروحة عليها، متسائلا هل سيدرك بعض المسؤولين خطورة هذا المنحى ويكفوا عن تعميق الهوة بين المجتمع والمؤسسات.
فلاش: الكل يتساءل لماذا فقد المغاربة الثقة في المؤسسات ومختلف الفاعلين؟
لنترك رئيس البنك المركزي في المغرب، عبد اللطيف الجواهري، يجيب عن السؤال وهو بمثابة شاهد من أهلها، يقول الرجل: إن المغاربة قد فقدوا الثقة في السياسيين وفي مسؤولي القطاع العام، بدليل العزوف الانتخابي الذي يتم تسجيله عند كل محطة انتخابية تشهدها البلاد، وبدليل أن الكل أصبح يطالب بالتدخل الملكي في جميع القطاعات لحل كل أنواع المشكلات” واصفا الأحزاب السياسية بأنّها مجرّد “باكور وزعتر” وهو تعبير دارج مغربي قدحي، يعني أنّها بلا قيمة ولا تساوي أيّ شيء، واعتبر أنّ الناس لم تعد تثق فيها، بسبب وعودها الكاذبة في الانتخابات، بل جزم أنّ المغاربة فقدوا الثقة في كلّ شيء، سواء أكان مؤسسة حزبية أم مؤسسة عمومية، قائلاً: “الناس لم تعد تثق فينا”!