الصحافي فؤاد السعدي
في غياب الرقابة الكافية وآليات الحوكمة الفعالة، أصبح المال العام هدفًا للعبث والاختراقات من قبل بعض المسؤولين الذين يستغلون مواقعهم لتحقيق مصالح شخصية، وعلى رأس هؤلاء المسؤولين، يبرز بشكل لافت مدير المصالح بجهة طنجة تطوان الحسيمة، الذي أصبح “الأمر الناهي” في إدارة الجهة، و”الرجل الحديدي” الذي لا يجرؤ أحد على مساءلته أومحاسبته، بعدما استحوذ على زمام الأمور داخل هذه المؤسسة المنتخبة، وتولى بشكل فردي ومريب مسؤولية اختيار المواقع الإعلامية التي ستستفيد من حملة الإعلانات الحكومية المرتبطة بمنتدى “WEFE Nexus 2025” في نسخته الثانية الذي ستحتضنه مدينة طنجة يومي 5 و6 فبراير الجاري، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول نزاهة عملية الاختيار، وكيفية صرف المال العام في هذا السياق.
ففي ظل غياب أي معايير واضحة أو شفافية في اتخاذ القرار، وجد مدير المصالح بجهة طنجة تطوان الحسيمة نفسه في موقع المتحكم الوحيد، متجاوزًا كل القواعد والأعراف التي تفرض التنسيق مع الجهات المسؤولة، وعلى رأسها رئيس الجهة، عمر مورو، الذي يبدو أنه لم يكن على علم بهذه الممارسات المريبة. هذا التجاهل التام لمبدأ التشاور يعكس مدى استئثار هذا الموظف بالقرار، وتحوله إلى مركز ثقل داخل الإدارة، يوزع الامتيازات كما يشاء ولمن يشاء، دون أي حسيب أو رقيب، ليبرز التساؤل الأهم، هل كان الهدف الحقيقي من هذه العملية هو ضمان استفادة مواقع اعلامية بعينها، وإقصاء أي جهة أخرى قد تكون أكثر كفاءة أو استقلالية؟ أم أن الأمر يتجاوز ذلك ليصل إلى استغلال المال العام لخدمة أجندات خفية؟ أسئلة مشروعة تفرض نفسها في ظل هذا التسيب الذي يهدد مبادئ الحكامة الجيدة ويثير الشكوك حول النوايا الحقيقية وراء هذه الاختيارات.
لا جدال في أن ما يفعله مدير المصالح اليوم يطرح تساؤلات عميقة حول مدى احترامه لقواعد الحكامة الجيدة، بعدما بات يتحكم بشكل شبه مطلق في تدبير الموارد المالية للجهة، متجاوزًا كل الضوابط المفترضة. هذا التفرد في اتخاذ القرارات، بعيدًا عن أي رقابة فعلية، لا يعكس سوى اختلال صارخ في منظومة التدبير، حيث تتحول الأموال العمومية من وسيلة لخدمة الصالح العام إلى أداة تُوزع وفق معايير غامضة ومصالح ضيقة ومكاسب ذاتية. وبالتالي يصبح الحديث عن الشفافية والعدالة في توزيع الموارد في ظل هذا الوضع مجرد شعارات فارغة، أمام واقع تُحسم فيه القرارات خلف الكواليس، بعيدًا عن أعين الرقابة والمحاسبة.
من المؤكد أن غياب الرقابة والمحاسبة هو ما جعل مثل هذه التصرفات ممكنة، وهو ما يفرض على الجهات المعنية التدخل بشكل فوري لتوضيح حقيقة هذه العمليات، ومحاسبة المسؤولين الذين أخلوا بالواجبات الموكلة إليهم، لأن استمرار الوضع على هذا النحو، يعني فتح الباب أمام استغلال أكبر للمال العام وتوظيفه لخدمة مصالح شخصية ضيقة، وهو ما يهدد نزاهة المؤسسات ويفقد الثقة بين المسؤولين والمواطنين.
ما كشفناه اليوم ليس سوى بداية الخيط، والحكاية لم تنتهِ بعد، بل تتكشف فصولها تباعًا، لأن هذا المسؤول، الذي نصّب نفسه الآمر الناهي داخل الجهة، مستغلًا المال العام دون رقيب، لن يظل بعيدًا عن دائرة الضوء. فكل خفايا هذه المنظومة ستخرج إلى العلن، واحدة تلو الأخرى، في سلسلة مقالات قادمة سنميط من خلالها اللثام عن مزيد من الحقائق ونفضح التلاعبات التي يحاول البعض إخفاءها تحت غطاء النفوذ والسلطة.
اليوم، لم يعد الصمت خيارًا، ولم يعد العبث بمقدرات المواطنين أمرًا يمكن تجاوزهعلى اعتبار أن المرحلة تفرض تحركًا حاسمًا لوضع حد لهذه التجاوزات، وإرساء معايير شفافة تعيد للمال العام حرمته، وتجعل المحاسبة قاعدة لا استثناء، وبالتالي آن الأوان لنكشف الكثير، ولن يكون هناك مجال للهروب من الحقيقة أبدا.