بقلم : ذ. محمد حفيظ/ المغرب
نشرت عدة صحف ومواقع مغربية وغير مغربية، في الآونة الأخيرة، أكثر من خبر وتعليق عن القضية التي فجرها أحد أباطرة المخدرات بإفريقيا، الملقب بـ”المالي”، لانحداره من دولة مالي بلد والده، والذي يوجد حاليا رهن الاعتقال بسجن الجديدة، بعد إدانته في قضية لها صلة بالتهريب الدولي للمخدرات.
القضية تفجرت بعد إصرار هذا البارون المعتقل منذ أربع سنوات على تقديم شكايات ضد سياسيين مغاربة يتهمهم بالنصب عليه والاستيلاء على أمواله وممتلكاته العقارية وحبك مؤامرة ضده ليدخل السجن ويتخلصوا من مطاردته لهم.
وقد تسرب سيل من المعلومات بالأرقام والتفاصيل والعناوين والتواريخ عن صلة هذا البارون العابر للقارات بهؤلاء السياسيين الذين يتربعون اليوم على مواقع رفيعة في أحزاب سياسية تقود الحكومة الحالية، وفي مؤسسات منتخبة تشرع قوانين البلاد وتدبر شؤون المغاربة في المدن والجماعات.
القضية، بحسب ما بلغ إلى علم المغاربة الذين قرأوا ما نشرته العديد من الصحف، تتعلق بشبكة تنشط خارج القانون وتتاجر في كل شيء ممنوع ومحرم؛ من الاتجار الدولي في المخدرات، إلى تبييض الأموال في قطاع العقار الذي تحول لدى البعض إلى مصبنة لغسل الأموال، إلى النصب والاحتيال، إلى استغلال النفوذ السياسي والسلطوي، الذي تحقق من عائدات الأموال المتأتية من هذه التجارة الخبيثة، ويتم استثماره لتحصيل عائدات أخرى في إطار دورة لا تنتهي.
الأخبار المنشورة أفادت أيضا بأن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية باشرت البحث في ملف هذه القضية منذ أشهر، واستدعت أكثر من مرة الشخصيات التي اتهمها “المالي” في شكاياته للاستماع إليها في إطار ما يقتضيه تعميق البحث.
والأكيد أن الكثير من المعلومات سيتم الكشف عنها بتفاصيل أكثر حين يصبح الملف بين يدي المحكمة. وقد توجه إلى هؤلاء المشتبه فيهم تهم، وقد تقرر المحكمة إدانتهم. لكن القضية لن تنتهي هنا. هذا النوع من القضايا لا ينتهي بإصدار الأحكام القضائية وتنفيذها.
إن هذه القضية تطرح سؤالا أكبر: أين الدولة؟
نعم، أين كانت الدولة؟ أين كانت أجهزتها الأمنية؟ أين كانت أجهزتها المكلفة بالمراقبة والاستعلامات والحماية والترصد والتفتيش والتتبع؟؟؟
هل كان علينا أن ننتظر إلى أن يتكلم هذا “المالي” من داخل زنزانته، حتى يتم الانتباه إلى أشخاص أصبحوا أشهر من نار على علم في مجال المال والأعمال والسياسة والرياضة؟
هل كان على المكلفين بحماية أمن البلاد والعباد ينتظرون شكايات “المالي” لكي ينتبهوا إلى أشخاص لم يعودوا يُفلتون أية فرصة ليطلوا على المغاربة بصورهم وهم يتقدمون المواكب في المناسبات السياسية الوطنية والدينية، وفي التظاهرات الرياضية الوطنية (أيضا) والدولية؟
ألم تكن الشبهات تحوم حول مصدر الاغتناء السريع لهؤلاء وحول مصدر الأموال الطائلة التي تمتلئ بها حساباتهم البنكية ويديرون بها مشاريعهم التجارية في إطار التبييض والغسيل “الوسخ”؟
ألم تتورط الدولة، وأجهزتها المعنية، في غض البصر عن تلك الأموال بالأرقام الفلكية التي تُصرف في الانتخابات، وبواسطتها يصل هؤلاء إلى مؤسسات تُحَوَّل هي الأخرى إلى مصدر للاغتناء والفساد والإفساد؟
ألم تَرَ الدولة بأعينها التي لا تنام شبكة لم يعد نشاطها ينحصر في مستوى الاتجار في المخدرات وتهريبها وترويجها، بل تجاوز ذلك إلى الاتجار في الحقل السياسي والحقل الرياضي؟
المشكل أكبر من “المالي” ومن معه، والسؤال الذي تطرحه هذه القضية إذا صحت الاتهامات التي كانت وراء دخول النيابة العامة والفرقة الوطنية للشرطة القضائية على الخط هو: أين الدولة؟
إنه سؤال يمكن أن نضيفه إلى ذلك السؤال الذي كان الملك قد طرحه، في خطاب له قبل حوالي عشر سنوات، وهو سؤال: أين الثروة؟
الدولة لها من الوسائل والإمكانات ما يمكنها من معرفة أين توجد ثروة المغرب والمغاربة، ومن رصد مكانها، وترصد من يسرقها وينهبها. والدولة لها أيضا من الإمكانات والوسائل ما يجعلها تعرف من يغتنون اغتناء غير مشروع، ويتاجرون في المغرب والمغاربة، ويحولون مؤسسات دستورية إلى رهينة بين أيديهم باستعمال المال المحصل مما يتاجرون فيه.
أما الأحزاب المعنية، فهي مشاركة في كل ما يمكن أن يثبت في حق هؤلاء. إن الشبهات التي تبحث فيها الشرطة القضائية، والتهم التي يمكن أن توجهها المحكمة وكذلك الأحكام التي يمكن أن تصدرها، كل ذلك ينتقل من هؤلاء الأشخاص إلى التنظيمات التي كانت بمثابة الجسر الذي أوصلهم إلى مؤسسات دستورية تدبر شؤون المغاربة على الصعيد الوطني وفي المدن. فلم يكن بإمكانهم أن يحظوا بهذا النفوذ السياسي والسلطوي لولا تزكية هذه الأحزاب لهم.
- بقلم: محمد حفيظ