![](https://maghrebalalam.com/wp-content/uploads/2025/02/image_editor_output_image1672258923-17395779998165794207409041743568.jpg)
الدكتور عادل بن حمزة
![](https://maghrebalalam.com/wp-content/uploads/2025/02/image_editor_output_image601302130-17395781460382139371686375673824.jpg)
الحرب تقتل الإنسان مرة واحدة، أما السياسة فتقتله مرات عديدة. “تشرشل”
في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 أكد أحمد أبوالغيط، الأمين العام للجامعة العربية، من خلال تدوينة على صفحته على موقع “إكس”، أن معركة التهجير القسري للفلسطينيين يبدو أنها ستكون معركة طويلة وتحتاج إلى تضامن عربي مكثف لإحباط المخططات الشريرة التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني والدول العربية، قال أبوالغيط ذلك بعد أقل من شهر على عملية طوفان الأقصى. موضوع التهجير ليس موضوعا جديدا، ذلك أن كثيرا من المشاريع الإسرائيلية كانت مطروحة بنفس المضمون منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، ويمكن اعتبار أحدثها هو ما جاء في التقرير الذي أعده غيورا آيلاند Giora Elland رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي (2004-2006) سنة 2010، والذي كان مسبوقا بدراسة مطولة نشرت له عبر مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في أيلول (شتنبر) 2008، فكرة آيلاند تتمحور أساسا حول إلغاء حل الدولتين من خلال مقترحين للحل، الأول إحداث كونفدرالية أردنية فلسطينية مكونة من ثلاث ولايات وهي الضفة الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة بحكم ذاتي كامل لكل ولاية، بينما تبقى مجالات السيادة حصريا في العاصمة الأردنية عمان، أما المقترح الثاني فيقوم على تبادل الأراضي مع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر (بين رفح والعيش) وتعويض القاهرة مقابل ذلك بأراضي في صحراء النقب. حسب غيورا آيلاند فإن مسار التقدم فيما يقدمه كحل يعتمد على ثلاثة متغيرات رئيسية: الأول هو إدراك الإدارة الأمريكية بأن الحل التقليدي، أي حل الدولتين، ليس حلًا كافيًا ولا جذابًا للطرفين. المتغير الثاني هو أنه من المهم إيجاد جهة فاعلة مستعدة لاقتراح هذا الحل على الأطراف المعنية، ذلك أن المبادرة يجب أن تأتي من طرفٍ “محايد” ويُنظر إليه بوصفه مهمًا ومؤثرًا. أما المتغير الثالث هو أن يتم تقديم الأمر كفرصة.
اقتراح ترامب إذا يجسد هذه الرؤية، مع بعض الخصوصية الترامبية، فعندما يكون مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط هو ويتكوف المطور العقاري، فإن اقتراحه المتعلق بالريفيرا لا يجب أن يكون مثار استغراب، الإدارة الأمريكية الجديدة أظهرت ارتباكا بشأن التعاطي مع التصريحات المجنونة لترامب بخصوص ملكية غزة وتهجير الفلسطينيين بصفة نهائية إلى مصر والأردن ودول أخرى، ظهر ذلك واضحا من تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، الذي اعتبر تصريح ترامب، مجرد ضغط على الدول العربية المجاورة لغزة من أجل التوصل إلى حلول، أو بتعبير وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو الذي قال بأن ترامب قدم اقتراحا للحل وعلى الآخرين أن يقدمو بدائل أخرى. البيت الأبيض قدم قراءة عكسية تماما لما قصده ترامب وأعاد التأكيد عليه بكل وضوح إلى ما بعد لقائه بالعاهل الأردني الملك عبدالله ابن الحسين، فالبيت الأبيض قال بأن ترامب لم يقدم بعد إلتزاما بشأن سيطرة الولايات المتحدة على القطاع ولم يلتزم بنشر قوات أمريكية، وأن ترحيل الفلسطينيين من غزة مؤقت ولذلك على مصر والأردن استقبالهم في إنتظار إعادة إعمار القطاع.
عمليا يمكن التأكيد على أن القضية الفلسطينية توجد اليوم في لحظة من أشد لحظاتها تعقيدا، البعض كان ينظر إلى اليوم التالي لما جرى في غزة، تحت عنوان كبير هو ضرورة تنحي حماس عن حكم القطاع، والبعض الآخر اعتبر أن اتفاق الهدنة والافراج عن الرهائن والأسرى، هو بمثابة إغلاق قوس طوفان الأقصى، للدخول في دورة جديدة، الأمر ليس كذلك تماما، فالطرف الإسرائيلي الذي تتجاذبه كتل اليمين واليمين المتطرف، بلور منذ فترة طويلة سردية أن السلام مستحيل مع الفلسطينيين وأن أوسلو كانت خطيئة إسحاق رابين، وأن الجغرافية وتحديات الأمن والديمغرافية والحدود والمياه، لا تسمح بقيام دولة فلسطينية بجوار إسرائيل، هذا الأمر تحول إلى عقيدة في كل مستويات صناعة القرار الإسرائيلي، وقد ساهم العامل الإقليمي المتمثل في إيران وما كان يسمى بمحور المقاومة على مدى سنوات والانقسام الفلسطيني، في تثبيت هذه السردية وجعلها قابلة للتصديق في العواصم الغربية، كان الهدف من ذلك هو تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لإسرائيل مع إيجاد مبررات تعطيل مسلسل السلام، لكن مع عودة ترامب أصبح الأمر يمثل فرصة تاريخية لايجب إفلاتها لإغلاق قوس حل الدولتين.
في كتابه “الأبطال” قال الأديب الإنجليزي طوماس كارليل: “لو خيرنا نحن الإنجليز بين الهند وشكسبير، لاخترنا- إلا من بعض التجار- شكسبير على الهند..”، وبالتأكيد أن الغزيين لو خييروا بين العيش فوق حطام غزة والهجرة خارجها فإنهم سيختارون حطام وطنهم. فإلى أي حد يستطيع النظام العربي أن يواجه هذا الوضع دون الدخول في مواجهة مباشرة مع ترامب؟ كيف يمكن إعادة الإعمار في غزة دون موافقة كل من إسرائيل والولايات المتحدة؟ هل يستطيع سكان غزة الصمود في ظل غياب كل أسباب الحياة في القطاع وإلى متى؟ هل نراهن على المجتمع الدولي بينما نرى الجميع يبحث عن صفقات مع رجل البيت الأبيض؟ وأخيرا كيف يمكن للمنطقة أن تنجوا من تبعات إقتراح ترامب المجنون، خاصة لجهة تنشيط محور إيران من جديد ومختلف التيارات الأصولية بما يحمله ذلك من تهديد جدي للاستقرار والأمن الإقليمي بمفهومهما الواسع؟