في خطوة مثيرة للجدل، كشف موقع “إكونوميا ديجيتال” الإسباني عن قيام حسن عبقري، المدير العام لميناء طنجة المتوسط، بتأسيس شركة خاصة في فالنسيا تحت اسم “New Port Consulting 2024″، وذلك لتقديم خدمات استشارية في مجال إدارة الموانئ، إلى جانب أنشطة أخرى تشمل الاستثمار في العقارات، هذه الخطوة، التي تأتي من مسؤول يشرف على واحد من أكبر الموانئ في إفريقيا والمتوسط، تطرح تساؤلات حول مدى تعارض المصالح وإمكانية استغلال النفوذ لتحقيق مكاسب شخصية.

وفقًا للمصدر، تم تسجيل الشركة حديثًا في السجل التجاري الإسباني برأسمال رمزي قدره يورو واحد فقط، وهي مملوكة بالكامل لعبقري، غير أن المثير في الأمر أن هذه الخطوة تأتي في وقت يتصاعد فيه التنافس بين ميناء طنجة المتوسط والموانئ الإسبانية الكبرى، وعلى رأسها فالنسيا والجزيرة الخضراء وبرشلونة، وهو ما يطرح السؤال، كيف لمسؤول يقود ميناءً مغربيًا أن ينخرط بشكل شخصي في قطاع منافس؟
فقد شهد ميناء طنجة المتوسط، الذي يديره عبقري، خلال السنوات الأخيرة نموًا غير مسبوق، حيث احتل المرتبة 19 عالميًا في حجم معالجة الحاويات سنة 2023، بإجمالي 8.61 مليون حاوية، كما احتل المركز الرابع عالميًا في مؤشر أداء الموانئ الصادر عن البنك الدولي، وهو ما يعكس مكانته الاستراتيجية في التجارة الدولية، لكن في الوقت الذي يفترض فيه تعزيز هذا التفوق المغربي، يبدو أن المدير العام منشغل بمشاريعه الخاصة، وهو ما قد يثير علامات استفهام حول التزامه بالمهمة الوطنية التي كُلف بها.
المصدر ذاته يشير إلى أن المقر الاجتماعي لشركة “New Port Consulting 2024” يوجد بقلب مدينة فالنسيا، بالقرب من مقر البلدية، مما يعكس الطابع الجاد لهذا المشروع، الذي لا يبدو أنه مجرد استثمار عابر، خصوصا وأن الشركة، بحسب الوثائق الرسمية، لا تقتصر على تقديم الاستشارات في مجال الموانئ، بل تمتد أنشطتها إلى شراء وإدارة العقارات الحضرية والزراعية، باستثناء التأجير التمويلي، هذا التنوع في الأنشطة يطرح تساؤلات إضافية حول الهدف الحقيقي وراء هذه المؤسسة.
ما يزيد من تعقيد الوضع هو أن هذه الخطوة لا تبدو مجرد تصرف فردي معزول، خاصة إذا علما أنه سبق لطنجة المتوسط أن عزز تعاونه مع الموانئ الإسبانية، خصوصًا ميناء الجزيرة الخضراء، حيث جرت لقاءات رسمية بين عبكري ومسؤولي الميناء الإسباني في مارس من العام الماضي، كما زار وفد من منتدى “AVE” لرجال الأعمال الإسبان ميناء طنجة المتوسط شهر شتنبر الماضي، حيث قدم عبقري عرضًا عن إنجازات الميناء المغربي، في خطوة توحي بتقارب المصالح بين الطرفين، فهل يمكن أن يكون مشروع فالنسيا امتدادًا لهذا التقارب؟
المثير للدهشة أن عبقري لم يعلن عن هذه الخطوة بشكل رسمي في المغرب، ولم تخرج أي جهة مسؤولة لتوضيح ما إذا كان هناك تضارب في المصالح أو انتهاك للقوانين المنظمة لمؤسسات الدولة، على اعتبار أنه في معظم الأنظمة الإدارية، يمنع على المسؤولين التنفيذيين في المؤسسات العمومية ذات الطابع الاستراتيجي ممارسة أنشطة خاصة في نفس المجال، خاصة في أسواق تنافسية، فهل تم الأمر بتنسيق مع السلطات المغربية أم أنه تصرف فردي دون مساءلة؟
الأسئلة المطروحة كثيرة، والغياب التام لأي تعليق رسمي من ميناء طنجة المتوسط أو السلطات المغربية يجعل الأمر أكثر غموضًا، وهو ما يجعلنا نطرح السؤال التالي، هل يمكن لمسؤول مغربي أن يستغل موقعه لإنشاء شركة منافسة في بلد آخر دون أن يثير ذلك ردود فعل داخلية؟ وإذا كان الأمر قانونيًا، فهل هو أخلاقي في ظل مسؤولياته الحالية؟
مما لا شك فيه أن هذه الخطوة ستثير نقاشًا واسعًا حول طبيعة الحوكمة داخل المؤسسات العمومية بالمغرب، ومدى التزام مسؤوليها بحدود مهامهم، وعليه وبينما يستمر طنجة المتوسط في تعزيز موقعه الدولي، يبقى التساؤل الأهم، هل يمكن لميناء بهذا الحجم أن يدار بنفس الديناميكية في ظل انشغال مسؤوليه بمشاريعهم الخاصة؟
المستقل