بقلم/ د. التجاني بولعوالي
رئيس تحرير مجلة اجتهاد للدراسات الإسلامية والعربية
تعززت المكتبة الإسلامية في أوروبا بمجلة علمية جديدة تحمل اسم: مجلة اجتِهاد للدّراساتِ العَربيّةِ والإسْلامِيّة، وهي تصدر عن مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا، ومسجلة بشكل قانوني في المكتبة الملكية البلجيكية (KBR) والمكتبة العلمية الوطنية، تحت الرقم التسلسلي:ISSN: 2983-9939 . والمجلة نصف سنوية ومُحكّمة حسب المعايير الأكاديمية الدولية، وتعنى بالدراسات العربية والإسلامية في أوروبا والغرب، وما ينضوي تحتها من قضايا تمت بصلة إلى هذا الحقل المعرفي، كالدراسات اللاهوتية والدينية، وعلم الاستشراق، وعلم الاستغراب، وحوار الأديان، وعلم الأديان المقارن، وفقه الأقليات، وصورة الإسلام، وغيرها. ويُنتظر صدور العدد الأول من المجلة في شهر يونيو القادم في نسختيه المطبوعة (محدودة النسخ) والرقمية المتاحة لكافة القراء. ويشرف على المجلة فريق كبير من الباحثين والخبراء والمفكرين، يتوزعون على مختلف الهيئات (التحريرية، الاستشارية، العلمية، التحكيمية، التقنية).
لماذا مجلة اجتهاد؟
أصبحت الشريحة المسلمة تشكل مكونا وازنا في المجتمعات الغربية والأوروبية التعددية المعاصرة سواء على المستوى الديمغرافي أو المؤسسي أو المعرفي. وقد اتسعت رقعة الطلب لدى المسلمين على مختلف المنتوجات الفكرية والتربوية واللغوية والاقتصادية أمام انكماش العرض الذي لا يلبي هذه الحاجة الملحة، أو بالأحرى فإنه يوجد عرض لكنه لا يناسب متطلبات المسلمين وتطلعاتهم. وهذا ما ينطبق أيضا على المجال المعرفي الذي يقتضي مزيدا من التقويم والتأهيل والاجتهاد لمواكبة الشروط الحضارية الجديدة، حيث الحضور الإسلامي في أوروبا والغرب يشهد تحولات جذرية من سياق الهجرة إلى سياق المواطنة، من الطور الإشكالي إلى الطور الإسهامي ومن التموضع السالب إلى التعاطي الفاعل.
وعندما نقوم بتقييم لراهن المسلمين في أوروبا، بُعيد ما يناهز النصف قرن من انطلاق الهجرة العمالية في ستينات القرن الماضي، نجد أن هؤلاء تمكنوا من تحقيق عدد لا يستهان به من المكاسب التربوية والأكاديمية والمؤسسية والقانونية والسياسية. وهكذا صار المسلمون عامة والأجيال المسلمة الصاعدة خاصة تحضر وتساهم بشكل إيجابي في التعليم والبحث العلمي والمجتمع المدني والعمل السياسي والإعلام وغير ذلك. ولم يغب عنصر الهوية الإسلامية الأصلية في خضم هذه التحولات التي يمليها السياق العلماني والتعددي الجديد الذي يعيش فيه المسلمون، بل ظل يطرح نفسه دوما سواء عبر وسائل الإعلام ونقاشات السياسة أو في المؤسسات التعليمية والأكاديمية والبحثية.
وقد ظل الإسلام خلال قرون طويلة حبيس التنظيرات الاستشراقية والاستعرابية التي تدرس مختلف مباحثه العقدية والفقهية والأخلاقية واللغوية من خارج المرجعية المعرفية والمنهجية الإسلامية، وقد أفضى ذلك الانشغال الاستشراقي إلى إرساء ما يعرف بحقول الدراسات العربية والإسلامولوجيا واللاهوت الإسلامي والدراسات القرآنية التي لا تكاد تخلو منها كليات الآداب واللغات واللاهوت في مختلف الجامعات الأوروبية والغربية العتيقة، ما أثرى هذه الحقول المعرفية والأكاديمية على مستوى البرامج الدراسية والمؤتمرات المتخصصة والإصدارات البحثية والمجلات العلمية المحكمة. وهكذا انفردت كل كلية أو قسم للدراسات الدينية أو اللغوية بمواد أو برامج خاصة بالدراسات العربية والإسلامية، وعُرفت بعض الجامعات بندوات علمية دولية متخصصة في بعض قضايا الإسلام واللغة العربية، وعمدت بعض المراكز الأكاديمية إلى إصدار مؤلفات ومجلات محكمة متخصصة في الدراسات العربية والإسلامية.
وفيما يتعلق بالمجلات العلمية المحكمة التي تتخصص في الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا والغرب، فقد سجلنا خمس ملاحظات نقدية، وهي كالآتي.
1. إن أغلب هذه المجلات تصدرها جامعات ومراكز بحثية أوروبية وغربية غير إسلامية، وهي تتخذ من الإسلام واللغة العربية موضوعها البحثي الأساس.
2. إن هذه المجلات تنطلق في مقاربتها للإسلام في الغالب الأعم من منطلقات “استشراقية” ونقدية خارجية، وتشترط على الباحثين، مسلمين وغير مسلمين، الخضوع للمعايير المعرفية والمنهجية التي تعتمدها.
3. إن هذه المجلات تدرس الإسلام والثقافة العربية من المنظور الخارجي دون إعطاء أهمية كبيرة للمقاربة الداخلية، سواء التقليدية أو المعاصرة التي يسلكها الكثير من الباحثين ذوي الخلفية العقدية الإسلامية.
4. هناك بعض المجلات التي لا تكتفي بوضع المعايير المنهجية الصارمة فقط، بل تخضع البحوث لجهازها التحكيمي الذي لا يخلو من التأثيرات الإيديولوجية والاستشراقية التي لا تقبل المسلمات اللاهوتية والفقهية والأخلاقية الإسلامية.
5. هناك توجه جديد لدى الكثير من المجلات الدولية المحكمة، وهو اشتراط رسوم مالية “عالية جدا” على الباحثين مقابل نشر مقالاتهم، ما يجعل الهدف المادي يُهيمن على البحث الأكاديمي على حساب الأهداف المعرفية والتربوية والتوعوية.
وهذا يعني أنه بالرغم من التطور الكبير (والإيجابي إلى حد ما) الذي شهدته الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات ومراكز البحث الغربية والأوروبية، فلا يخلو التعاطي الأكاديمي في الغرب مع مباحث الإسلام بصفة خاصة من التحيز الذاتي والإيديولوجي على حساب الحياد والتجرد الموضوعي. وفي خضم هذه الوضعية غير المحمودة التي تعتري البحث الإسلامي في العالم الأكاديمي الغربي نشات فكرة إرساء مجلة علمية محكمة، وهي تركز من جهة على تناول المباحث الإسلامية والعربية من داخل مرجعيتها الأم مع الاستفادة من مكتسبات البحث العلمي الغربي لا سيما المنهجية والتقنية والتواصلية والطباعية. وتقارب من جهة أخرى الإسلام وقضايا المسلمين من داخل السياق الأوروبي والغربي مع الانفتاح على المقاربات الموضوعية الوافدة من خارج أوروبا والغرب. وهكذا نمنح في هذه المقاربة حيزا لدراسة الإسلام من منظوره الداخلي الذي يكاد تغيب في الدراسات العربية والإسلامية المعتمدة في الغرب، وفي الوقت نفسه ننطلق من الداخل الأوروبي والغربي سواء لتقريب الحضور الثقافي والديني والأدبي والأكاديمي الإسلامي فيه أو لتفكيك الدراسات الغربية التي تشتغل أكاديميا بذلك الحضور. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى بعض التجارب الأكاديمية الأوروبية التي بدأت في العقود الأخيرة تعتمد مقاربة تدريسية وبحثية تنطلق من داخل الإسلام، وعلى رأسها تجربة كلية اللاهوت والدراسات الدينية بجامعة لوفان في بلجيكا، حيث يتمتع الطالب والباحث المسلم بمساحة كافية لتلقي العلوم الإسلامية تماما كما تدرس في الجامعات الإسلامية مع منح حيز للمقاربات الخارجية الغربية التقليدية والمعاصرة.
أهداف مجلة اجتهاد
تعنى مجلة اجتهاد بالدراسات العربية والإسلامية في أوروبا والغرب سواء عبر مقاربة مختلف قضايا الإسلام والمسلمين الدينية والفقهية والثقافية والتربوية والاجتماعية والسياسية والتاريخية، أو عبر تناول شتى الدراسات والبحوث الاستشراقية التقليدية والمعاصرة حول الإسلام بالمراجعة والنقد والتقويم. وتتحدد أهم أهداف المجلة فيما يأتي:
▪ تناول مختلف مباحث الإسلام العقدية والفقهية والأخلاقية والفلسفية والاجتماعية واللغوية والتاريخية بمنهجية نقدية موضوعية تنطلق من داخل المرجعية الإسلامية مع الاستفادة من المنجزات البحثية الخارجية لا سيما المنهجية والتقنية واللسانية.
▪ الاشتغال بمختلف الدراسات الاستشراقية التقليدية والمعاصرة حول الإسلام بغرض مراجعتها لتقويم المنحرف منها والاستفادة من نتائجها الجادة والنوعية.
▪ إغناء حقل الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا والغرب بمقاربة مغايرة تركز على المنظور الإسلامي الداخلي وتأخذ السياق الحضاري والواقعي الغربي بعين الاعتبار.
▪ إعادة الاعتبار للتيار الاستشراقي والاستعرابي الموضوعي عبر تخصيص ملفات مستقلة لعلماء ومفكرين وشخصيات ومدارس استشراقية تناولت الإسلام بتجرد علمي وروح موضوعية.
▪ توثيق ما يتعلق بالدراسات العربية والإسلامية في أوروبا والغرب عبر التعريف بمختلف الباحثين المسلمين وغير المسلمين والمراكز البحثية والمؤسسات الأكاديمية والمعاهد العلمية.
▪ مراجعة ما ألف حول شتى مباحث الإسلام الدينية والتاريخية والفكرية واللغوية من كتب ومعاجم وموسوعات وأشرطة.
▪ إطلاق ببليوغرافيا تعريفية وتوثيقية لأهم ما ألف في حقل الدراسات العربية والإسلامية قديما وحديثا، في أوروبا والغرب.
▪ ترجمة أهم المقالات والدراسات الغربية التي اشتغلت بالإسلام إلى اللغة العربية، وفي المقابل ترجمة أهم الأعمال العربية حول الإسلام في الغرب إلى بعض اللغات الأوروبية.
▪ تمكين الباحثين الشباب من نشر دراساتهم ونتائج رسائلهم وأطاريحهم الجامعية في شكل مقالات أو فصول أو ملخصات.
▪ تنظيم ندوات علمية دولية ولقاءات تواصلية وتكوينات منهجية وبيداغوجية سواء من طرف مركز اجتهاد للدراسات والتكوين أو بتعاون مع مراكز بحثية ومؤسسات أكاديمية في أوروبا والغرب والعالم العربي والإسلامي.
▪ إصدار دراسات فردية أو مشتركة موازية من طرف المجلة أو في إطار مشروع “سلسلة دراسات الإسلام في الغرب”.
وفي الأخير، تجدر الإشارة إلى أن رؤية مجلة اجتهاد وأهدافها لقيت استحسانا كبيرا في أوساط البحث الأكاديمي المتعلق بالدراسات الإسلامية في الغرب، فمنذ طرح فكرة هذا المشروع البحثي التطوعي الواعد أعرب الكثيرون عن رغبتهم الأكيدة في الانخراط في هذه المبادرة المهمة، وهكذا تمكنت المجلة من استقطاب أكثر من 60 باحثا من مختلف التخصصات والحقول المعرفية. ونعتقد أنه بفضل هذه الصفوة من الباحثين والخبراء والمفكرين يمكن لنا تحقيق، ولو القليل من هذا الطموح الجميل والثقيل في الوقت نفسه! ونرجو أن تشكل المجلة (والمركز) منصة حرة ومستقلة لنا جميعا كباحثين موضوعيين، بعيدا عن أي توظيف إيديولوجي أو تسييس لرؤية هذا المشروع البحثي، الذي ينطلق من الداخل الأوروبي، ليقرب المعرفة الإسلامية من داخل التراث الإسلامي وواقع المسلمين بعيدا عن أي وصاية خارجية، كما يحصل في الدراسات الاستشراقية التي تُفرغ الشرق، بما في ذلك الإسلام، من ماهيته الأصيلة، فتتزيّفُ المعرفة، وتُغتال الهوية، ويتصدّع المعنى! وبتضافر جهودنا سوف ينجبرُ المعنى، وتترعرع الهوية، وتُزهر المعرفة، بعيدا عن التفسيرات الحرفانية والجذرانية والفكرانية (= الإيديولوجية).
ملحوظة: لمزيد من المعلومات يمكن زيارة موقع مركز اجتهاد ومجلة اجتهاد على الرابطين: https://ijtihadcenter.com/، Ijtihad Journal for Islamic and Arabic Studies (journal-ijtihadcenter.com)