تشير دراسة حديثة إلى أن سياسات تدبير الموارد المائية في المغرب منذ الاستقلال تتميز بتوجه يخدم الفئات المهيمنة اقتصادياً، خاصة في القطاع الفلاحي، الذي يستهلك أكثر من 80% من المياه المتاحة.
وبالرغم من ذلك، فإن هذه السياسات تركز على خدمة الفلاحين الكبار والمساحات المسقية، التي لا تمثل سوى 19% من الأراضي المزروعة، بينما يتم تجاهل المساحات البورية التي تشكل أكثر من 80% من الأراضي الزراعية وتعد مصدر عيش ملايين الفلاحين الصغار وأسرهم.
وأكدت الدراسة أن السياسات المائية المغربية ما زالت تتبع النهج الذي اعتمده المستعمر، مع التركيز على توجيه الفلاحة نحو التصدير، وتنفيذ توصيات المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي، ما أدى إلى تعزيز مصالح كبار الفلاحين والأعيان القرويين. ورغم بناء 153 سداً كبيراً بسعة إجمالية تفوق 19.9 مليار متر مكعب، فإن نسبة الملء العام للسدود لم تتجاوز الثلث خلال السنوات العشر الماضية، مع استثناء تأمين المياه الشروب لبعض المدن الكبرى، وهو ما يبرز ضعف العوائد مقارنة بالتكلفة الاقتصادية والبيئية لهذه المشاريع.
وأوضحت الدراسة أن الجفاف وتراجع مخزون السدود دفع كبار الفلاحين إلى الاعتماد بشكل أساسي على المياه الجوفية، بما في ذلك المياه غير المتجددة، حيث يتمكنون من حفر آبار عميقة بفضل إمكانياتهم المادية. وأشار تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية إلى هذا الفشل، مبرزاً أن الدولة تهتم أكثر بتأمين العرض المائي دون تنظيم استغلاله، مع تهميش الأراضي البور رغم أهميتها الاجتماعية والإنتاجية.
كما انتقدت الدراسة استمرار توجيه القطاع الفلاحي نحو المحاصيل التصديرية التي تستهلك كميات هائلة من المياه، رغم أن القطاع يروي فقط 19% من الأراضي الزراعية، في حين يستهلك 85% من المياه المتاحة. وتوقعت الدراسة اختلالاً أكبر بين احتياجات المياه المتزايدة والعرض المتاح، مع احتمالية تسجيل عجز مائي يصل إلى 7 مليارات متر مكعب سنوياً بحلول عام 2050.
وأبرزت الدراسة أن السياسة الحالية تدعم بشكل كبير المساحات المسقية من خلال إعانات مالية للإنتاج والتسويق، ما يركز على تشجيع المزروعات التصديرية على حساب المحاصيل الغذائية الأساسية مثل الحبوب والقطاني التي تنتجها الأراضي البورية. ورغم التكاليف الضخمة لهذه السياسات، فإن الميزان التجاري المغربي يعاني عجزاً هيكلياً، حيث لا تغطي الصادرات الفلاحية سوى 52% من كلفة الواردات.
واعتبرت الدراسة أن التغيرات المناخية، بما في ذلك الجفاف والفيضانات، تضاعف معاناة الفلاحين الفقراء والمهمشين، خاصة في المناطق القروية التي تشكل فيها الأراضي البورية 80%. ومع تزايد حدة الجفاف، تتوقع الدراسة تداعيات اجتماعية خطيرة في هذه المناطق، التي تعاني أصلاً من نقص البنية التحتية والموارد.
واختتمت الدراسة بانتقاد استمرار الدولة في تنفيذ مشاريع “خضراء” مثل تحلية مياه البحر ونقل المياه بين الأحواض، التي تستنزف أموالاً طائلة دون تحقيق العدالة المائية، مع استفادة الشركات العالمية وحلفائها المحليين من هذه الاستثمارات دون تقديم حلول حقيقية ومستدامة للأزمة المائية في البلاد.