دكتور عادل بنحمزة – المغرب
تدخل منطقة الشرق الأوسط غداً أسبوعاً جديداً من الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة رداً على عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وما زال الحديث جارياً عن عملية برّية في قطاع غزة لتحقيق الهدف الذي أعلنته إسرائيل، والقاضي بالقضاء النهائي على حركة “حماس”، ذلك أنّ القصف الجوي ورغم قوته التدميرية، لا يمكن أن يكون حاسماً من دون تدخّل برّي. لكن تأخّر العملية البرّية يكشف حجم التعقيدات التي تنطوي عليها.
إسرائيل تتحرّك بغطاء سياسي وعسكري شامل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا. وظهر واضحاً منذ الساعات الأولى لاندلاع الحرب، أنّ أهداف إسرائيل غير المعلنة أبعد من مجرد القضاء على “حماس”. وفي المقابل، أظهرت الإدارة الأميركية بشكل واضح أنّها لا تريد للحرب على غزة أن تتحوّل إلى حرب إقليمية، وبخاصة تدخّل إيران وحلفائها في ما يُعرف بـ”محور المقاومة”، ولعلّ تحريك حاملة الطائرات “جيرالد فورد” إلى شرق المتوسط وتعزيزها بحاملة طائرات ثانية هي “يو أس أس دوايت أيزنهاور” كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، الغاية منه هو تقديم أقصى إشارات الردع للأطراف الإقليمية حتى لا تتدخّل.
ويبدو أنّ سلاح الردع الأميركي يعطي نتائج جيدة إلى حدود اللحظة، فإيران منذ اندلاع فتيل الحرب وهي تهدّد وتتوعد إسرائيل. صرّح بذلك مرشد الثورة علي خامنئي ورئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، وأكّده وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان خلال مؤتمر صحافي في بيروت يوم السبت الماضي عقب لقائه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، إذ قال إنّ “على إسرائيل التوقف عن جرائم حربها فوراً لأنّه بعد ساعات عدة سيكون الأمر متأخّراً جداً”، مضيفاً أنّ “حزب الله جهّز سيناريوهات تصعيد عديدة ستسبّب هزة أرضية في إسرائيل”. لا يهمّ أنّ اللهيان كان يتحدث من بيروت ويهدّد بحرب مع إسرائيل من بلد يفترض أنّ له سيادة وبعيد بآلاف الكيلومترات عن إيران، بما يعرّض لبنان إلى ما هدّدت به إسرائيل من إرجاعه إلى العصر الحجري. الوزير الإيراني اجتمع في اليوم ذاته في بيروت مع مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط ثور وينسلاند، وكرّر تهديد إيران بالتدخّل.
هذه التصريحات والرسائل والتهديدات مرّ عليها اليوم قرابة أسبوع كامل، عرف فيها القصف الإسرائيلي عنفاً أكبر، وتصاعدت الأزمة الإنسانية وتمّ قصف المستشفى المعمداني وأصبح موضوع التهجير يتخذ مساراً جدّياً. عموماً يمكن القول إنّ غزة تتمّ إبادتها بالكامل، فأين الساعات التي تحدث عنها عبد اللهيان؟
المتابع للأحداث يعرف أنّ واشنطن وتل أبيب على طرفي نقيض في ما يتعلق بالنظر إلى إيران، ففيما ترى فيها إسرائيل تهديداً وجودياً، ترى الولايات المتحدة أنّها حصان يمكن ترويضه ولو مرحلياً. نستحضر هنا معارضة إسرائيل الشديدة لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وهي ما يُعرف بالاتفاق النووي الذي وقّعته الإدارة الأميركية على عهد باراك أوباما مع إيران بتاريخ 14 تموز (يوليو) 2015، رفقة كل من الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا بالإضافة إلى ألمانيا. بنيامين نتنياهو وصف الاتفاق ساعتها بـ”الخطأ التاريخي”، واعتبر كثير من السياسيين والأمنيين الإسرائيليين أنّ ذلك الاتفاق من شأنه تعزيز موقع إيران، بخاصة في الجوانب العسكرية التقليدية مثل الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى اليقين بأنّ طهران سوف توظف عائدات رفع العقوبات لتشديد الطوق على إسرائيل عبر حلفائها في سوريا ولبنان وغزة، بل أنّ بعض التقديرات الإسرائيلية ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما اعتبرت أنّ استمرار البرنامج النووي المدني في إيران من شأنه أن يمكّن إيران في نهاية المطاف من امتلاك السلاح النووي حتى لو تحقق ذلك بعد 10 أو 15 سنة. لذلك استمرت إسرائيل في استهداف الكونغرس الأميركي لإسقاط الاتفاق النووي، وهو ما تحقّق مع إدارة دونالد ترامب واستمرت عليه إدارة جو بايدن إلى اليوم رغم كل المحاولات التي قام بها الأوروبيون. خلافاً لذلك كان رأي بعض كبار رجال الموساد الاسرائيلي (عاموس يادلين، إفرايم هاليفي) أنّ الاتفاق النووي سيمكّن من تأخير قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي، وهو أمر يتحقق بأقل كلفة، في إشارة إلى تجنّب حرب مع إيران.
على العموم، أظهرت أزمة البرنامج النووي الإيراني أنّ واشنطن وتل أبيب ليست لهما أجندة متطابقة في التعاطي مع التهديد الإيراني. تكرّر هذا الأمر في الاتفاق الأخير بين واشنطن وطهران الخاص بإطلاق سراح 5 سجناء أميركيين في مقابل حصول إيران على 6 مليارات دولار من أموالها المجمّدة في إطار العقوبات الأميركية. ظهرت واشنطن من خلال هذه الخطوة الجديدة في اتجاه إيران أنّها تسعى لتحييد طهران أو على الأقل دفعها إلى اتخاذ مواقف متوازنة لا تسعى إلى التصعيد في بؤر النزاع في المنطقة. وقد ظهرت الرؤية الأميركية بشكل واضح منذ الساعات الأولى لعملية “طوفان الأقصى”. ففي وقت كانت إسرائيل تتهم إيران بشكل واضح وصريح بتورطها في التخطيط وفي قرار الهجوم، كانت واشنطن تسعى بكل جهدها لإخراج إيران من دائرة الاتهام، فوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن كان قد صرّح بأن لا دليل لدى واشنطن على ضلوع إيران في الهجمات المباغتة والواسعة النطاق التي شنّتها حركة “حماس”، قائلاً: “في هذه الحالة بالتحديد، ليس لدينا أيّ دليل على ضلوع مباشر في التخطيط لهذا الهجوم أو تنفيذه”، وهو التقييم ذاته الذي خلصت إليه وزارة الخارجية الأميركية، رغم أنّها تركت الباب مفتوحاً أمام احتمال تورط إيران. نستخلص ذلك مما صرّح به المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، عندما قال في تصريح صحافي: “خبرتنا في هذه الأمور تفيد بأنّ من السابق لأوانه استخلاص أي استنتاجات نهائية في هذا الشأن”. مضيفاً: “سننظر في معلومات استخبارية إضافية في الأيام والأسابيع المقبلة” لمعرفة “ما إذا كان لدى البعض في النظام الإيراني صورة أوضح” عن العمليات المقرّرة أو “ساهموا في جوانب التخطيط”.
جملة، يمكن القول بأنّ واشنطن تحاول دفع إيران وأدواتها في المنطقة، بعيداً من الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات في غزة، سواء من خلال الجزرة المتمثلة في الصفقة المربحة التي ضخّت 6 مليارات دولار في خزائن نظام مفلس ويعاني من حصار طويل، أم من خلال العصا، وتتمثل في حاملات الطائرات الأميركية في شرق المتوسط، والتي بلا أدنى شك ستتدخّل بشكل مباشر إذا تدخّلت إيران في الحرب، سواء عبر جنوب لبنان أم الجولان السوري. في المقابل، وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، يبدو أنّ تل أبيب تستعجل التدخّل الإيراني لحسم التهديد الوجودي الجدّي الوحيد الذي ستواجهه في المنطقة في العقود المقبلة. فهل تنجح إسرائيل في جرّ إيران إلى حرب إقليمية قد تكون فيها نهاية نظام آيات الله؟
ملحوظة :
تم نشر هذا الموضوع في موقع مغرب العالم بتا يخ 20 أكتوبر 2023