كما سبق وأن نقلت جريدة الاتحاد الاشتراكي في عددها من 14 مارس 2024، وعنونت مقالها “هل يسقط تحالف البطالة والفساد حلم نيلسون مانديلا؟”
أشارت نتائج الانتخابات في 29 ماي 2024 إلى فقدان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) لأغلبيته المطلقة في البرلمان وعدم تجاوزه لعتبة 40٪ من الأصوات المعبر عنها، وهو ما يعادل 170 مقعدا من أصل 400 مقعد.
نتائج الانتخابات كما أفرزتها صناديق الاقتراع، دفعت قيادة المؤتمر الوطني الأفريقي للبحث عن حلفاء خارج طبيعة وفلسفة نيلسون مانديلا. فبعد إعلان أهم تنظيم يساري وهو مقاتلو الحرية الاقتصادية، على أنهم لن يكونوا جزءًا من أي ترتيب حكومي يشمل التحالف الديمقراطي الوسطي واليميني.
وبسبب فقدانه السيطرة على السلطة التشريعية، وانحسار شعبيته على مستوى المحافظات، سارع المؤتمر الوطني الأفريقي، عقب هذا الزلزال السياسي إلى البحث عن تحالفات في كل الاتجاهات وبدون أي خط سياسي وإيديولوجي واضح ومتماسك مع طبيعته اليسارية والتحررية.
جنوب إفريقيا، هذا البلد الذي لازال يعالج آثار الفصل العنصري والعنصرية والأبارتايد وإرث الأنظمة الاستعمارية، يخطو خطوة قد تهدم وتزعزع ما تم بناؤه خلال 30 سنة.
الرغبة الجامحة لقيادة المؤتمر الوطني الأفريقي في الاستمرار بالحكم، دفعتها للتحالف والاتفاق مع أشد الأحزاب عداءً لسياساتها، والدخول ربما في أهم تحول سياسي في تاريخها الحديث، دون التفكير في عواقب تحالف يعتبره الكثيرون يطعن في مسلسل العدالة الانتقالية وحقوق الضحايا وأهمية الحفاظ على الذاكرة، والتي هي خطوات سبقت بها التجربة الجنوب إفريقية العالم بأسره، بل وكانت سببًا في خروج تجارب أخرى للعدالة الانتقالية إلى حيز الوجود.
الحليف الجديد للمؤتمر الوطني الأفريقي، هو حزب التحالف الديمقراطي (AD)، الذي يصنف كحزب يميني قريب من رجال الأعمال ويتزعمه البيض. وهو حزب يشكك في جدوى مسلسل العدالة الانتقالية وفي أهمية الانتقال الديمقراطي.
حصل حزب التحالف الديمقراطي خلال الانتخابات الأخيرة على 84 مقعدًا من أصل 400 في البرلمان، وهو عدد سيمكّنه من الحصول على مناصب مهمة في البرلمان (نائب رئيس) وربما في الحكومة، وستكون المصادقة على كل مشاريع القوانين في البرلمان تحت رحمته. وسيطبع حزب التحالف الديمقراطي السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا بالاعتدال، وسيسعى لإخراجها من مربع التوتر، مع مراعاة أن الأولوية للسياسات الاقتصادية والبحث عن أسواق وشركاء ناجحين مثل المغرب.
كذلك فإن طبيعة الحزب الليبرالية واليمينية، ستؤثر بدون شك في الموقف والموقع الجيوسياسي لجنوب أفريقيا، حيث أن خيار البريكس BRICS لازال في بدايته، والمواقف المشددة للدبلوماسية الجنوب إفريقية لن تعود الخيار الأوحد.
مياه كثيرة ستجري في هذا الجزء من إفريقيا (أنغولا على وجه الخصوص)، والتي ستعرف في السنوات المقبلة ظهور قوى سياسية جديدة قد تغير في طبيعة التحالفات على صعيد القارة وقد تنعكس بشكل قوي على مؤسساتها. فنظرا لارتباط أنغولا تاريخيا واقتصاديا بجنوب إفريقيا، فإن تغيير المعادلات السياسية فيها سينعكس بالتأكيد على التحالفات الإقليمية وعلاقات القوى في جنوب القارة. كما أن ظهور نظم سياسية جديدة في أنغولا قد تتخذ مواقف مغايرة للموقف التقليدي الذي تتبناه حكومة جنوب إفريقيا تجاه القضايا الإفريقية والدولية.
تشير التطورات الأخيرة في جنوب أفريقيا إلى بداية مرحلة جديدة من التحول السياسي قد تؤدي إلى تعديل ملامح النظام السياسي في البلاد. فالتحالف الجديد بين المؤتمر الوطني الأفريقي مع أحزاب يمينية يشكل انحرافا عن المشروع السياسي والإيديولوجي الذي قادته حركة تحرير مانديلا. كما أن الظهور المتوقع لقوى سياسية جديدة في أنغولا وغيرها من الدول قد يؤثر على المنظومة السياسية الجنوب إفريقية وعلاقاتها الخارجية. وهكذا تشهد جنوب أفريقيا تحولات هامة قد تعيد رسم ملامح مستقبلها السياسي