بوشعيب أمين/ لإيطاليا
احتل المغرب المرتبة 96 في تصنيف “مؤشر ليجاتوم للازدهار 2023” الذي يعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل بما في ذلك الثروة والنمو الاقتصادي والتعليم والصحة والرفاهية الشخصية ونوعية الحياة. ويشمل التصنيف 167 دولة ومنطقة، وتصدرت الدنمارك القائمة، تليها النرويج والسويد. وجاءت جمهورية إفريقيا الوسطى واليمن جنوب السودان في ذيل القائمة على التوالي. وتصدرت عربيا الإمارات، تليها قطر والكويت، بينما حل المغرب في المرتبة السابعة عربيا.
ويعتمد التصنيف على اثني عشر مؤشرا فرعيا، بما في ذلك السلامة والأمن حيث حل المغرب في المرتبة 62، وتأخر إلى المرتبة 114 على مؤشر الحرية الشخصية الذي يشمل حرية التعبير والدين والتسامح القومي تجاه المهاجرين والأقليات العرقية والاثنية.
وحل في المرتبة 89 على مؤشر الحوكمة، و95 على مؤشر الجودة الاقتصادية ونفس المرتبة كذلك بالنسبة لجودة الحياة. ويتضمن المؤشر الفرعي للرأس المال الاجتماعي النسبة المئوية للمواطنين الذين يتطوعون ويتبرعون للأعمال الخيرية ويساعدون الغرباء والذين يشعرون أنه يمكنهم الاعتماد على العائلة والأصدقاء.
بالموازاة مع ذلك، كشف تقرير حديث (صدر عن شركة الاستشارات العالمية للمواطنة والإقامة) أن عدد الأثرياء في المغرب في ارتفاع ملحوظ، حيث ارتفع بنسبة 28 بالمائة من سنة 2012 إلى سنة 2022، وأشار التقرير الذي يتعلق بمستند “ثروة إفريقيا عام 2023″ إلى أن المغرب حاضر ضمن الخمس الكبار برفقة جنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا وكينيا، إذ يوجد بالمغرب أكثر من 5800 شخص تفوق ثروتهم مليون دولار، أي حوالي مليار سنتيم، و28 شخصا تفوق ثروتهم 100 مليون دولار، أي أكثر من 100 مليار سنتيم، وأربعة أشخاص تفوق ثروتهم مليار دولار.
إذا تأملنا في تصنيف “مؤشر ليجاتوم للازدهار نلاحظ أن المغرب قد تقدم في البنية التحتية والاقتصاد الأخضر، لكنه تأخر في التعليم والرأسمال الاجتماعي، وأما بالنسبة لتقرير (شركة الاستشارات العالمية للمواطنة والإقامة) فنلاحظ أنه على الرغم من ارتفاع عدد الأثرياء بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، تظل نسبة الذين يتطوعون ويتبرعون للأعمال الخيرية ضئيلة جدا، وهو ما يساهم في اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وزيادة الفوارق بينهم. ففي الوقت الذي يعيش فيه الأثرياء حياة الرفاهية والبذخ، يعيش ملايين الفقراء حياة البؤس دون أن يحصلوا على أدنى حد من المقومات الأساسية للحياة الكريمة.
ويتركَّز أغلب فقراء المغرب في المناطق الريفية النائية. حيث أفادت المندوبية السامية للتخطيط، في مذكرة حديثة بأن الآثار السلبية لجائحة كوفيد-19 على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسر أدت إلى زيادة الفوارق الاجتماعية، كما أدت إلى ارتفاع معدل الفقر المطلق من 1,7 في المائة في 2019 إلى 3 في المائة خلال 2021 على المستوى الوطني، ومن 3,9 في المائة إلى 6,8 في المائة في المناطق القروية، ومن 0,5 في المائة إلى 1 في المائة في المناطق الحضرية.
كما أفادت أن الهشاشة عرفت ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقلت من 7,3 في المائة سنة 2019 إلى 10 في المائة سنة 2021 على المستوى الوطني، ومن 11,9 في المائة إلى 17,4 في المائة في المناطق القروية، ومن 4,6 في المائة إلى 5,9 في المائة في المناطق الحضرية.
والسؤال هو: لماذا كلما ازداد عدد الأثرياء في المغرب يزداد عدد الفقراء؟
لا أجد جوابا سوى أن سياسة الحكومات التي تعاقبت على حكم المغرب هي التي تسببت في تفاقم حدّة اللامساواة بين الطبقات الاجتماعية، عبر اعتمادها على سياسات التقشّف وتخفيض الإنفاق العام على الخدمات الأساسية، الذي يصيب الفقراء والطبقات الوسطى، وتخفيض الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى، وغضّ النظر عن اتساع التهرّب الضريبي، والفساد المالي (الرشوة واقتصاد الريع) وهو يُكلف الكثير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. ومع ذلك لم تبادر الحكومات السابقة ولا الحالية بإجراءات لمكافحة الظاهرة، فرئيس الحكومة الحالي مثلا: منذ أن تولّى منصبه لم يجتمع مع رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي يترأسها بحكم القانون. بل حتى على المستوى القانوني أيضا ليس هناك تشريع قانوني لمحاربة الفساد، بشكل جاد. وتبقى الأحكام القضائية في مجال محاربة الفساد في المغرب محتشمة ومحدودة الأثر ولا تشجع على القطع مع الفساد.
فلاش: في أواخر شهر مارس المنصرم، قام لاعبو المنتخب المغربي رفقة الناخب الوطني وليد الركراكي، بزيارتين إحداهما للسجن المحلي بمدينة سلا، والثانية لدار الأيتام بمدينة طنجة، حيث التقوا السجناء داخل السجن، والأطفال المتواجدين داخل دار الأيتام، وهي مبادرة إنسانية لتكريس القيام بمبادرات اجتماعية والتأكيد على الدور المجتمعي الذي تلعبه الرياضة بشكل عام وكرة القدم خاصة.
والحقيقة أن المغرب يعرف إشعاعا عالميا، بفضل هؤلاء الأبطال، الشرفاء الذين يضربون أروع الأمثال في حب الوطن، وهم الذين اتخذوا من النشيد الوطني برنامجهم لتحقيق التنمية الاجتماعية التضامنية بتمويلهم الذاتي وكذا التنمية السياحية والاقتصادية، حيث يتبرع كل واحد منهم بمنحته التي فاقت 300 مليون سنتيم، لفائدة الفئات الهشة كتضامن حقيقي من القلب الى القلب، فزيارة السجون تدخل في إطار إعادة الادماج وإدخال السرور على السجناء، وزيارة الأطفال المتخلّى عنهم، تدخل في مجال النهوض بأوضاع الطفولة وحمايتها.
وعلى الرغم من أن الزيارتين رمزيتان، فهما درس بليغ لكل الأثرياء المغاربة الذين يكنزون ثرواتهم، ولا ينفقونها في سبيل الله للتخفيف من آثار الفقر، وردم هوّة الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء.
وعلى كل حال، فأثرياء المغرب موزعون بين من لا يظهر في مجالات أخرى غير الاستثمار وتكديس الأموال، وآخرون يزاوجون بين السياسة والمال، أو العمل بينما يتوارى البعض عن الظهور في الصحافة والإعلام لغاية في أنفسهم. علاوة على أن بعض أموال الأثرياء المغاربة مهربة نحو البنوك الخارجية، ولا يستفيد منها المغرب.
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أردد قوله تعالى: “والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون» صدق الله العظيم، وكل عام وفريقنا الوطني بخير.