الصحافي أمين بوشعيب/ إيطاليا
لقد كنتُ منذ بداية العدوان الإسرائيلي على أهلنا في فلسطين من المتفائلين بأن النصر سيكون حليف المقاومة وحليف غزة الأبية، التي ضربت أروع مثال في الصمود والتشبث بالأرض. لقد كنتُ على يقين بأن دماء أهلنا الزكية لن تذهب سدى. وأن طوفان الأقصى سيبلغ مداه.
في مقالات كثيرة كنتُ أبشّر بالنصر، وبأن غزة ستنتصر رغم الخذلان وتكالب قوى الشر عليها، لأن الله ورسوله وعداها بذلك، فقد تحققت فيها شروط النصر: التوكل على الله وحسن الظن به سبحانه وتعالى.
وأنا أتحدّث عن هذه البشارة قلت أنّ للنصر صور شتى، وقد يلتبس بعضها بصور الهزيمة عند قاصري النظر. قلتُ في البدء كان طوفان الأقصى وإن إنجازه يعتبر نصرا عظيما بغض النظر عما بعده، وإن عجز إسرائيل والتحالف الغربي المساند لها سياسيًا وعسكريًا، عن تحقيق أيّ من الأهداف التي أعلنها “النتن ياهو” من الحرب على غزة نصر، وخروج الشعوب بالآلاف في كل بقاع العالم للتظاهر تضامنا مع الشعب الفلسطيني وانحياز الرأي الغربي خاصة الأمريكي للحق الفلسطيني نصر، واستجداء المفاوضات من فصائل المقاومة الفلسطينية، وكسر هيبة دولة الاحتلال ومؤسساتها العسكرية والأمنية بشكل غير مسبوق، وكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر، صورة من صور النصر. وإيقاف قطار التطبيع الذي كان يسير بسرعة جنونية نحو تطبيع عربي شبه كامل مع الاحتلال، بغرض تصفية القضية الفلسطينية، يعتبر صورة من صور النصر.
وإعادة قضية فلسطين إلى مكانتها المحورية في العالم، واعتراف بعض الدول بالدولة الفلسطينية صورة من صور النصر.
وإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بدعوى ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة يعتبر نصرا، وحين تصبح الولايات المتحدة أكبر دولة في الغرب تسجَّل فيها أكبر معدلات اعتناق للإسلام، بسبب صمود الفلسطينيين ونضالهم من أجل العدل والحرية، فهو نصر كبير ليس لأهل فلسطين فقط وإنما هو لجميع المسلمين.
هذه بعض صور النصر التي حققها طوفان الأقصى، في انتظار تحقيق النصر الأكبر الموعود بزوال إسرائيل وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وتحرير القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك.
لقد كان لديّ اليقين التام بأن اليوم الذي ستعلن فيه غزة نصرها بات قريبا، لأن المجتمع الإسرائيلي الخليط ليست لديه قدرة على تحمل الخسائر، وهو ما حدث بالفعل، حيث رضخت إسرائيل لشروط وقف إطلاق النار التي اشترطتها المقاومة، بعد أكثر من خمسة عشر شهرًا من الحرب المدمرة التي طالت البشر والحجر في قطاع غزة، وفشل جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة. وهذا الجنرال الإسرائيلي “غيورا أيلاند” صاحب فكرة خطة الجنرالات يعترف قائلا: ” لقد هُزمت إسرائيل وانتصرت حمــاس، وهذه المعركة عبارة عن فشل إسرائيلي مدوي، ولم تنجح حمــاس بمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها فحسب، بل حققت الحركة أهدافها كذلك”.
لقد تحقق نصر الله، فرأيناه مجسدا في ساحة السرايا يوم الأحد 19 يناير/ كانون الثاني 2025 حيث خرج أبطال المقاومة في كامل سلاحهم وأناقتهم يرفلون في أثواب العزة والمجد، وهم يحملون راية النصر. وأثناء تسليم الأسيرات الثلاث، وهنّ في أحسن أحوالهن رغم الحصار والجوع والقصف، أبان رجال المقاومة على تفوقهم الأخلاقي العظيم، الذي كان له نصيب كبير من الانتصار وكسب الأنصار في كل دول العالم.
لقد أفرحتنا تلك المشاهد وأفرحت قلوب الملايين من العرب والمسلمين ومن أحرار العالم الذين ساندوا غزة في محنتها، فلما انتصرت ابتهجوا فرحا. إلا أهل الخنوع من المطبعين الذين ألفوا الذل، فلم يبق في نفوسهم مكان لمعاني العزة والنصر.
هؤلاء هم الذين ما فتئوا يقولون: إن غزة لم تنتصر، ويذرفون دموع التماسيح على ما تركته الحرب الغاشمة من دمار هائل في الأرواح والممتلكات، يقول أحد الكتاب العرب ممن تجري في عروقه دماء صهيونية: “غزة لم تنتصر، بحسبة المعركة وميزان الربح والخسارة. انتهت الحرب ولم تحرّر «حماس» الأراضي الفلسطينية المحتلة. بل في كل بيت في غزة شهيد. وفي كل منزل أرامل وثكالى ويتامى. وفي كل بيت معوقون وحزن ودموع، وليالٍ حالكة السواد.
إسرائيل تقتل وتحاصر وتشرّد، وتنكل بالفلسطينيين، وتغتصب الأرض، وهناك من يتحدث عن «نصر»، في وقت يموت فيه أهل غزة يومياً ويجوعون، ويواجهون حياة صعبة كل دقيقة، بحسب تقارير الأمم المتحدة…
خسائر إسرائيل لا تتجاوز 3 في المئة، بينما خسائر غزة في الأرواح والممتلكات عالية جداً”
لو اطلع هذا المتصهين على وسائل الإعلام وكبريات الصحف الإسرائيلية لأدرك مدى الشعور بالهزيمة الذي تسلل إلى الوعي الجمعي للمجتمع الصهيوني والدولة بكافة مفاصلها وأركانها ومكوناتها الفكرية من خلال تصريحات قادة إسرائيل، وتحليلات المفكرين، فالاعتراف بالهزيمة ليس بالضرورة أن يكون إعلاناً رسمياً أو عسكرياً، ولكن المنافقين لا يعقلون.
واسمع لزعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان ماذا يقول: “إنه في حال استمر الائتلاف الحاكم والكنيست الحاليان حتى عام 2026، فلن تكون إسرائيل موجودة” مؤكدا أن حكومة النتن ياهو فشلت في حربها على غزة.
فلاش: ما أوهن الباطل ولو اشتد، فهو في الأخير سيزول فجأة، وصاحب الحق لا بد أن ينتصر ولو طال الزمن، فرجال المقاومة لم يكونوا يدافعون عن الأرض فقط، وإنما كانوا ينوبون عن الأمة العربية والإسلامية في الدفاع عن الأقصى المبارك، والقدس الشريف، لذلك نصرهم الله نصرا عزيزا ومؤزرا. فسبحان الذي أوجب على نفسه نصر المؤمنين، وجعله لهم حقاً فضلاً وكرماً، وأكده لهم في هذه الصيغة الجازمة التي لا تحتمل شكاً ولا ريباً. وهو القائل في محكم تنزيله: “وكان حقا علينا نصر المؤمنين”.
ولقد شهد العالم كله هذا النصر المبين، فأخذ ينظر إلى هؤلاء الرجال نظرة إجلال واحترام، على ما قدموه من صور العطاء والفداء، ومعارك الصمود والتضحية. لقد انتصرت غزة رغم كيد الأعداء من الصهاينة والمتصهينين ورفعت رأس الأمة عالياً، واستعادت لها عزتها وكرامتها.