سناء الجاك، كاتبة وصحافية لبنانية
ليس في لبنان مرجعية قادرة على إدارة حوار لبناني – لبناني. هذه الخلاصة أربكت الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان لوي لودريان.
فالقوى التي التقاها الرجل، وتحديدا تلك التي تدور في فلك الممانعة رفعت شعار الحوار بابا من أبواب الجهاد السياسي لحل أزمة الاستحقاق الرئاسي المستعصية. ولكنها ربطته بعجزها وعجز غيرها من المرجعيات عن الدعوة إلى طاولة تجمع المختلفين بشأن جنس المرشح الأوفر حظا ليجمع حوله أصوات الأكثرية النيابية، ويحظى بميثاقية طائفية تمهد له الطريق إلى كرسي الرئاسة، ويكون “توافقيا”، لا يمثل انتصارا لفريق على فريق، ويترجم نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.
وهذا الطرح هو قمة الإعجاز، لأن كل طرف يرى في مرشحه هذه المواصفات، لتصبح الدعوة إلى الحوار، وسيلة إما لإقناع الطرف الآخر بخياره في ظل انقسام عمودي يصعب تجسيره. وفي ذلك ضرب او حتى اغتيال لمفهوم الحوار من أساسه.
وكأنما كان ينقص الدبلوماسي العريق أحجية جديدة وتناقضات تزيد عقد مهمته. وهو كان قد انطلق إلى مهمته حاملا تناقضات البيت الفرنسي تجاه هذه المهمة، بسبب خلافات في وجهات النظر داخل فريق عمل الرئيس إيمانويل ماكرون، خصوصاً أن العديد من هذا الفريق باتوا مقتنعين بأن طريقة الإليزيه في التعاطي مع الملف اللبناني حملت خللا جوهريا من خلال دعم مرشح “حزب الله” سليمان فرنجية ومحاولة اقناع الدول المعنية بالشأن اللبناني به.
وبالطبع لم يجد لودريان في لقاءاته مع القوى اللبنانية ما يخفف من التناقضات. وكان قد حاول تحديد وسائل الحل من خلال معطيين، هما دفع القوى الداخليّة إلى الاتفاق على مرشح توافقي، ومن ثم كيفية التوافق على الآلية المفيدة لإيصال هذا المرشح إلى قصر الرئاسة.
ولأنه لم يحصل على أجوبة شافية، لجأ إلى التحذير عند انتهاء الجولة الأولى من مهمته بالقول إن “يلعب الوقت ضد مصلحة لبنان”.
لكن مثل هذا التحذير، لا تجد فيه قوى المعارضة الرافضة مصادرة “حزب الله” للقرار اللبناني، الا سببا للتمسك أكثر بموقفها، وهي في الأساس لا تثق بالحزب الذي يدعو إلى الحوار من جهة ويتنصل من التزامه به كما بينت التجارب السابقة. عدا أن الحوار لا يمكن ان يستقيم بين طرف مسلح وأطراف لا سلاح لديها.
كما أن الحزب الذي لا يريد رئيسا ضد مصلحته هو تحديدا، لا يقلقه التحذير. ولطالما كانت أولوياته مختلفة عن الأولويات الوطنية. واليوم أكثر من أي وقت مضى، يريد ضمان مصيره في ظل التغييرات الإقليمية والدولية المستجدة، سواء لجهة الاتفاق الإيراني السعودي ومدى انعكاسه على أذرع إيران في المنطقة، المطلوب منهم ربما ترسيخ حضورهم السياسي حيث هم، واكتساب مشروعية دستورية.
هذا عدا الاهتزاز الذي تعرضت له هذه الأذرع في اليومين الماضيين مع تداعيات ما حصل في روسيا، وشكل تهديدا لرئيسها فلاديمير بوتين، ومدى انعكاس مثل هذا التهديد على محور الممانعة.
لذا يبدو مفهوما تكرار الحزب رفضه لرئيس يمكن أن يطعنه في ظهره، على الرغم من امتلاكه مئات الآلاف من الصواريخ والمقاتلين.
كذلك يبدو مفهوما رفض المعارضة دعوات “حزب الله” إلى حوار مستحيل، إذا صح التعبير، لأنه غير مستعد، وفي هذه المرحلة الحرجة بالنسبة إليه، للتنازل. لذا هو يستدرج عروضا من القوى الخارجيّة لحثها على دعوة الداخل إلى الحوار المنشود، ليس للخروج من المأزق، وليس للتعاون مع لودريان المربك بالملف اللبناني، ولكن لكسب الوقت بانتظار مستجدات إقليمية أو دولية ترجح كفة فريقه على الفريق الآخر.