
بقلم: الصحافي أمين بوشعيب/إيطاليا

أثارت تصريحات ناصر الخليفي، رئيس نادي باريس سان جيرمان، جدلًا واسعًا في الأوساط الرياضية، بعدما استبعد الدولي المغربي أشرف حكيمي من قائمة أبرز المرشحين للكرة الذهبية لعام 2025. ففي مقابلة صحفية له، سئل عن إمكانية دخول أشرف حكيمي سباق الكرة الذهبية مستقبلًا، فرد بنبرة تهكمية أن “هناك لاعبين كثر أفضل منه” لأن “الكرة الذهبية تحتاج إلى أشياء أخرى لا يملكها”، وكأنه يعلن بوضوح أن اللاعب الذي يساهم في ألقاب ناديه لا يستحق التقدير عالميًا. ثم قال:” إذا لم يفز عثمان ديمبيلي بالكرة الذهبية، فهناك خلل حقيقي”
هذا التصريح قوبل بموجة من الانتقادات، ليس فقط وسط الجماهير المغربية وأنصار الفريق الباريسي، بل إن هناك كثير من الأوساط الرياضية اعتبرت هذا التصريح مستفزا، أولا لأن حكيمي يعتبر من اللاعبين القلائل الذين أثبتوا جدارتهم داخل الملعب، ليس فقط مع باريس سان جيرمان، بل أيضًا بقيادته المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم لأول مرة في التاريخ، ولأنه قدم أرقامًا ومستويات تضعه في قائمة أفضل ظهير أيمن في العالم بلا منازع. وثانيا لأن الخليفي يفترض -كرئيس للنادي- أن يدعم لاعبيه ويحميهم معنويًا بدل التقليل منهم علنًا، خاصة في الإعلام الأوروبي الذي لا يرحم.
لكن، ما لا يعرفه الخليفي أن حكيمي لا يحتاج الكرة الذهبية ليصبح أيقونة. إن احترام الجماهير المغربية والعربية والإفريقية لحكيمي، وإجماع الخبراء على قيمته الفنية، والتاريخ الذي صنعه مع منتخب بلاده، كلها أوسمة لا يستطيع أي تصريح فارغ أن يمحوها. ففي عالم تحكمه المصالح، قد تكون الجوائز الفردية محكومة باعتبارات سياسية وتجارية، لكن من المؤسف أن يأتي الطعن في لاعب بحجم حكيمي من داخل بيته، لا من خصومه، وحين يسأل الناس يومًا: لماذا يغادر النجوم نادي باريس سان جيرمان رغم الأموال، فإن تصريحات مثل هذه ستكون جزءًا من الإجابة.
إن تصريح ناصر الخليفي، رئيس نادي باريس سان جيرمان يفضح ضحالة الرؤية لدى إدارة لا ترى أبعد من أرقام التسويق. فمن يُعلم ناصر الخليفي وأمثاله، أنه في كرة القدم، هناك لحظات يكون الصمت فيها أبلغ من الكلام، ويبدو أنه فوت هذه الفرصة حين أطلق تصريحه المستفز بأن “أشرف حكيمي لا يستحق التفكير في الكرة الذهبية”، وهو تصريح أقل ما يقال عنه إنه غبي. وربما يكون هذا الغباء هو السبب في حرمان فريق باريس سان جيرمان من التتويج بلقب كأس العالم للأندية الذي جرت أطواره مؤخرا في الولايات المتحدة الأمريكية.
ألا يعلم ناصر الخليفي أن المغربي أشرف حكيمي الأعلى تقييما في موسم سان جيرمان التاريخي، حيث تصدّر قائمة التقييم الفني للاعبي سان جيرمان الفرنسي خلال منافسات الموسم الماضي 2024-2025. وأكدت صحيفة ” لو باريزيان” الفرنسية التي أجرت التقييم السنوي المعتاد، أن حكيمي (26 عاما) أظهر ثباتا فنيا وانتظاما مذهلا خلال جميع المسابقات التي شارك فيها خلال الموسم الفائت. مع العلم أن صحفيّي” لو باريزيان” اعتادوا منح لاعبي سان جيرمان تقييمات دقيقة بعد كل مباراة بجميع البطولات، مع الأخذ بعين الاعتبار إيجابيات وسلبيات كل منهم طوال 65 مباراة بالموسم الفائت. وبلغ متوسط تقييم حكيمي 6.55 من 10، ليتفوّق على الثنائي البرتغالي جواو نيفيز وفيتينيا اللذين حصلا على 6.45 و6.26 على التوالي. بينما حلّ عثمان ديمبلي رابعا بمعدّل 6.18، وهو رقم لا يقلّل من الموسم الرائع الذي قدّمه مع الفريق وفق الصحيفة ذاتها، علما بأنه من أبرز المرشّحين للفوز بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب عالمي لعام 2025.
لذلك نتساءل ماذا وراء هذا التصريح، هل كان الخليفي يقصد أن اللاعب أشرف حكيمي لا يملك علاقات لوبي قوية داخل “فرانس فوتبول”؟ أم يقصد أن حكيمي لا يدخل في صفقات دعائية وشخصية تلمع صورته في الإعلام الفرنسي؟ أم أن هناك حزازات شخصية دفعت الخليفي إلى السعي دون حصول حكيمي على هذا التتويج العالمي؟ فإذا كانت الكرة الذهبية تمنح بناءً على هذه “الأشياء الأخرى” فربما الخليفي محق، لكنها عند الملايين من عشاق الكرة، تمنح بناء على الأداء والروح والنتائج والتاريخ. ومن هنا يمكن أن نتساءل أيضا: لماذا يُمنع العرب والمسلمون من اعتلاء منصات التتويج العالمية؟
هذا السؤال لا يخص فقط عالم الرياضة ولكنه يخص جميع الميادين ليطول حتى الميدان السياسي والإعلامي والعسكري، ولعل ما يحدث لغزة لهو الدليل القاطع على هذا التواطؤ الغربي الامبريالي ضد كلّ ما يمتّ للعرب والمسلمين بصلة. إنهم يرفعون شعارات “العدالة” و“تكافؤ الفرص”، لكن الواقع يختلف كثيرًا عمّا يروج له الإعلام الغربي، حيث يبدو أن هناك حصارًا غير معلن يفرض على العرب والمسلمين، ليبقوا بعيدين عن الألقاب العالمية رغم أحقيتهم بها. فالاعتراف بقدرات العرب والمسلمين يهدد رواية التفوق الغربي.
وأما في عالم الرياضة فإن اللوبيات الإعلامية والشركات الراعية تتحكم في الصورة الذهنية للأبطال الذين يريدون تلميعهم. لأن العالم لا يريد رؤية لاعب عربي مسلم يصبح رمزًا عالميًا يتفوق على نجومهم، خاصة في كرة القدم التي تُستغل كوسيلة دبلوماسية ناعمة لتكريس هيمنتهم الثقافية. ولو كان أشرف حكيمي أو أي عربي مسلم ينتمون لدولة أوروبية، لكانت الجوائز تلاحقهم عامًا بعد عام، ولكان الإعلام العالمي يحتفي بهم ليصبحوا “قدوة” في الغرب.
فلاش: ولد أشرف حكيمي في مدريد سنة 1998 لأبوين مغربيين مهاجرين، كان والده يعمل بائعًا متجولًا ووالدته تعمل في التنظيف لضمان لقمة العيش بكرامة في حي متواضع. لم يكن الطريق مفروشًا بالورود أمام الطفل المغربي الذي عشق الكرة منذ نعومة أظافره، فكان يركل الكرة في شوارع مدريد، يلهث خلف حلم لم يكن يبدو ممكنًا، لكن الإصرار كان يرافقه في كل خطوة. ومع توالي الأيام والأعوام أثبت حكيمي جدارته وموهبته حتى أصبح أفضل ظهير أيمن في الدوري الأوروبي. وبذلك أثبت أيضا أن الجيل المغربي قادر على المنافسة في أعلى المستويات. اليوم، ومع كل هذه الإنجازات، التي راكمها حكيمي جاءت اللحظة التي يجبُ ألا يُحرم فيها هذا اللاعب الموهوب من حق مستحق وهو التتويج بالكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم، كما حُرم من جائزة أفضل لاعب إفريقي لعام 2023.
إن قصة حكيمي ليست مجرد قصة لاعب كرة قدم، بل قصة شاب مغربي يرمز للأمل وللقدرة على الصعود رغم الظروف، ورغم حرمانه من ألقاب يستحقها، فإن حب الجماهير واحترام العالم له، يبقى اللقب الأكبر الذي لن يُسلب منه أبدًا.