دكتور عادل بنحمزة
يحتفل المغاربة بقرار ملكي يوم الأحد وللمرّة الأولى في التاريخ المغربي بشكل رسمي، برأس السنة الأمازيغية بوصفها عطلة رسمية مدفوعة الأجر، والتي تصادف هذا العام السنة 2974 للأمازيغية. هذا القرار يأتي تجسيداً للعناية التي يوليها الملك للأمازيغية باعتبارها مكوّناً رئيسياً للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدّد روافدها، ورصيداً مشتركا لجميع المغاربة من دون استثناء. كما يندرج ذلك في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية، كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية.
سنوات طويلة، بل إنّ تيارات وأحزاباً سياسية ومنها حزب الاستقلال، طالبت بشكل واضح اعتماد رأس السنة الأمازيغية كعطلة على الأقل، منذ عشر سنوات. هذه الدينامية المطلبية، جاءت في سياق ما حمله الملك محمد السادس في السنوات الأولى من جلوسه على العرش، من آمال بخصوص اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وقد اتضح ذلك جلياً منذ الخطاب الملكي في أجدير، الذي كان بمثابة انطلاق مرحلة جديدة في تاريخ الأمازيغية في المغرب. ففي 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2001، كان المغاربة أمام لحظة مصالحة عميقة مع جزء من الهوية الثقافية والحضارية للبلاد، إذ قال الملك محمد السادس في ذلك الخطاب، إنّ “العمل الذي نُقدم عليه، اليوم، لا يرمي فقط إلى استقراء تاريخنا؛ إنّه بالأحرى تجسيد لقوة إيماننا بالمستقبل، مستقبل مغرب التضامن والتلاحم، مغرب الإرادة والجد، مغرب الفضيلة والطمأنينة والرصانة، مغرب الجميع، القوي بوحدته الوطنية”.
عرفت البلاد بعد خطاب أجدير دينامية مهمّة تُوّجت بتحريك اللغة الأمازيغية واعتماد حرف “تيفيناغ” لكتابتها، إضافة إلى مظاهر مصالحة كبيرة مع الأمازيغية على كل الأصعدة، وبخاصة فتح ورش تدريسها لجميع المغاربة، وإن كانت هذه الورش أحد أكبر انتكاسات الأمازيغية في السنوات الأخيرة. ذلك أنّ الأمازيغية كلغة أم، ينطبق عليها ما ينطبق على باقي اللغات، فهي “بثقل استراتيجي هام في حياة البشر والكوكب، بوصفها من المقومات الجوهرية للهوية وركيزة أساسية في الاتصال والاندماج الاجتماعي والتعليم والتنمية”، إذ هكذا تقدّم الأمم المتحدة اللغة الأم التي كانت منذ عقود في المغرب، موضوع نقاش طويل، وموضوع مطالب ثقافية تحولت إلى حقوقية ثم في مرحلة أخيرة أصبحت سياسية، لماذا؟ لأنّ النهوض بلغة ما وحمايتها من الإندثار، هو تعبير عن إرادة سياسية ويتمّ عبر قرار سياسي.
خطاب أجدير كان انطلاقة لمسلسل من المصالحة الثقافية على غرار المصالحة السياسية التي شكّلت نقطة تحوّل كبير في مسار البناء الديموقراطي في المغرب وترسيخ الوحدة الوطنية، وجاء كواقع دستوري، صالح البلاد مع جزء أساسي من هويتها الوطنية من خلال التنصيص الدستوري على الأمازيغية وعلى الجانب الهوياتي المتعدد للمغرب الذي جاء في تصدير الوثيقة الدستورية، وكذلك التنصيص في الفصل 5 من الباب الأول على أنّ “الأمازيغية تعدّ أيضاً لغة رسمية للدولة، بإعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة، من دون إستثناء…”.
كان من المفترض أن يكون المغرب سبّاقاً لترسيم السنة الأمازيغية عيداً وطنياً، وأن يكون قاطرة لباقي الدول المغاربية، حتى يكون هذا العيد إضافة جديدة ونوعية للهوية المغاربية المشتركة. إنّ عدم الوضوح والتردّد في موضوع الهوية الوطنية من طرف الحكومتين السابقتين، وبصفة خاصة ما يتعلق بالأمازيغية، استوجب التعامل معه بكثير من الحذر، لأنّ فتح الآمال للناس وإطلاق الوعود، ومتى لم تتحقق، فإنّها تهدم الصدقية، بل تعزز شعوراً جماعياً بـ”الظلم” والوقوع ضحايا “للخديعة”… وعندما يصادف ذلك مناطق ترابية توجد على هامش السياسات العمومية منذ سنوات، وتعاني من أشدّ وأقسى درجات العزلة والتهميش، فإنّ ذلك سوف لن يكون سوى تركيبة مثالية لغضب قد لا نعرف حدوده…
لذلك، يمكن القول إنّ القرار الملكي باعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية، جاء ليقدّم نفساً جديداً للأمازيغية هي بحاجة إليه، كما أنّه قدّم صورة إيجابية على حراك ثقافي هوياتي عاشه المغرب لعقود، تميز برهانه على المؤسسات وانتصاره للاستقرار، أظهر فيه المجتمع المدني كثيراً من النضج والوطنية وأظهرت فيه الدولة قدرتها على التقدّم بخطوتين عندما تتقدّم المطالب بخطوة…