
بقلم: الصحافي أمين بوشعيب/ إيطاليا

بعد انطلاق احتجاجات شباب “جيل زد” قبل عدة أيام، تساءل مراقبون حول موقف حكومة عزيز أخنوش من المطالب التي رفعها هؤلاء الشباب، حيث ترقب البعض أن رئيس الحكومة سيقوم بالإعلان عن تدابير لتطويق الأزمة، غير أن رئيس الحكومة انتظر خمسة أيام، ليعلن خلال انعقاد مجلس الحكومة، عن الانفتاح، والاستعداد لمناقشة المطالب، ضمن مسار مؤسساتي.
لكن بالموازاة مع ذلك قام وزير الأوقاف المغربي أحمد التوفيق بإعطاء تعليماته “السامية” للأئمة والخطباء للردّ على احتجاجات الشباب، ففي يوم الجمعة ليوم 3 تشرين الأول/ أكتوبر2025، ألقى الخطباء في جميع مساجد المملكة الشريفة، خطبة موحدة تحت عنوان: “الحرص على تجنّب الوقوع في التهلكات” تناولوا خلالها شبهة ارتياد وسائل التواصل الاجتماعي، على اعتبار أن ذلك من أخطر أنواع الإدمان كالإدمان على المخدرات المفسدة للعقول حيث جاء في الخطبة المذكورة إن: “إدمان الإنسان على مواقع التواصل، والانشغال بها عن نفسه وأهله وذويه، وإضاعةُ الوقت فيها، والوقت أنفس ما يملك الإنسان؛ إذ هو وعاء عمله وفراغه قبل شغله، والغافل عنه مشموت على كل حال”
هكذا اختار هذا الوزير “ا لألمعيّ” الرد على شباب غاضب على الأوضاع المزرية التي يعيشونها، فبدل التوجه إلى تحفيز هؤلاء الشباب أو فهم تحدياتهم، يتم التركيز على تصويرهم كضحايا لعالم افتراضي، وكأنهم يعيشون في فقاعة مغلقة بعيدة عن القيم والمبادئ التي يُفترض أن يتمسكوا بها. فلماذا يتجاهل هذا الوزير حقيقة شباب جيل زد؟
ربما لا يعلم السيد أحمد التوفيق المولود سنة 1943، أن جيل “زد”، قد نشأ في عصر التكنولوجيا الرقمية، وبذلك فهؤلاء الشباب لا يرون في الإنترنت مجرد “وسيلة ترفيه”، ومضيعة للوقت كما جاء في خطبته “العصماء” بل يعتبرونه نافذتهم إلى العالم. عبر منصات التواصل الاجتماعي، يعبرون عن نفسه، يتعلمون، يبتكرون، بل ويحققون أحلامهم. فإذا كانت هذه المنصات تُعتبر “إدمانًا” في نظر الوزير، فربما من الأجدر أن نتساءل: ماذا يقدم المجتمع للشباب كبديل لهذا الإدمان؟ هل قمنا بتوفير منصات حوارية لهم، أم أننا نكتفي بتوجيه أصابع الاتهام؟
نعم، لقد اختار الوزير تسفيه أحلام الشباب، وكأني به يعيش في الأربعينات من القرن، وكان عليه أن يوجه عبر الخطباء نصائح إلى الشباب تحترم رؤاهم وتفهم تحدياتهم، بدل أن ينحدر إلى تسفيههم ووصفهم بالمُدمنين. وهذا يُعتبر جهلًا بعميق تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياة الشباب. هم ليسوا مجرد “متعاطين” لوسائل التواصل، بل هم مُنتِجون، مفكرون، ومبدعون في فضاء رقمي يجسد واقعهم اليوم.
التسفيه ليس مجرد إساءة للجيل الجديد؛ بل هو تقليل من شأن أحلامهم وطموحاتهم. إذ بدلًا من أن يُرَاعى أن هذا الجيل ينشئ أساليب جديدة للعمل، التعليم، والإبداع، نجد أن الخطاب الديني يتجه إلى التشكيك في هذه التحولات. وكأننا نعيش في حرب بين الأجيال، حيث يُنظر إلى كل تطور تقني باعتباره تهديدًا للقيم والأخلاق.
ما الذي يجذب هذا الجيل إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ هل هو الهروب من الواقع، أم السعي وراء حقيقة جديدة؟ غالبًا ما يكون السبب هو الحاجة إلى التعبير عن الذات، وتشكيل هوية تتلاءم مع عصر السرعة والتواصل الفوري. لكن ماذا عن جيلنا الذي لا يزال في زاوية العالم التقليدي، حيث كان التواصل محدودًا باللقاءات المباشرة والنقاشات المغلقة؟
من خلال التسفيه، نخسر فرصة فهم هذا الجيل بشكل أعمق. بدلاً من التوجيه، نجد أن بعض المؤسسات الرسمية تلجأ إلى معاملة هؤلاء الشباب كـ”مشكلة” يجب معالجتها، بدلاً من “موارد” يجب استثمارها. الشباب بحاجة إلى دعم، ليس لتقليص آمالهم أو تقييدهم في صندوق موروث من الأفكار القديمة، بل لتوجيه طاقاتهم بشكل إيجابي نحو مستقبل يعكس إمكانياتهم اللامحدودة.
إن الإنصات إلى شباب جيل “زد” هو الطريق الصحيح، وليس الحكم عليهم من خلال نظرة سلبية. لديهم طموحاتهم وأحلامهم، وهم يشقون طريقًا جديدًا في عالم سريع التغير. بدلاً من تصنيفهم كـ”مدمنين” على وسائل التواصل الاجتماعي، يجب على المجتمع أن يوفر لهم منصات للحديث عن تطلعاتهم، ويدعمهم لتحقيقها.
إذا أردنا فعلاً تحصين هذا الجيل ضد “الإدمان الرقمي”، يجب أن نبدأ أولاً بحوار حقيقي معهم. الحوار الذي يتسم بالاحترام والتفاهم، لا التسفيه والتهميش. وعندما نفتح المجال لهذا الحوار، سنكتشف أن الشباب ليسوا مجرد ضحايا للعصر الرقمي، بل هم محركون رئيسيون له، ويستطيعون توجيه هذا العصر بما يخدم تطلعاتهم وتطلعات المجتمع ككل. لنكن جزءًا من بناء جيل قادر على الابتكار والإبداع، لا جيل يُنظر إليه كـ”مشكلة” يجب التخلص منها.
في وسط هذه التصريحات المثيرة للجدل، كان لوزير العدل هو الآخر نصيب من إثارة الغضب الشعبي عندما رد على المتظاهرين في الآونة الأخيرة بعبارة تفتقر إلى الحس السياسي: “المظاهرات لا تسقط الحكومة”. هذه الخرجة غير الموفقة لا تقتصر على تهوين مطالب الشباب وحركات الاحتجاج، بل أضافت مزيدًا من الوقود إلى نيران الغضب. ليس فقط لأنه يستخف بحقوق المواطنين في التعبير عن رأيهم، بل لأن الرد يبدو وكأن الحكومة تُنكر تمامًا دور الشعب في تحقيق التغيير.
ما زاد الطين بلة هو أن هذه التصريحات جاءت في وقت حساس، حيث كانت بعض الأصوات تطالب بتعديلات دستورية تلبي تطلعات الشباب وتحقق المزيد من العدالة الاجتماعية. هذه الكلمات المتهورة جعلت بعضهم يتساءل: هل يساهم الدستور في حماية حقوق المواطنين، أم أصبح أداة لتبرير التمادي في السلطة؟ هل ما نراه اليوم من تهميش لحقوق الشباب والتقليل من شأن مطالبهم هو نتيجة تواطؤ ضمني بين الحكومة والدستور؟
فلاش: اليوم الجمعة الثانية من شهر تشرين الأول/ أكتوبر وهو يوم يحمل رمزية خاصة، ففيه سيتمّ افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة… من طرف الملك محمد السادس، حيث يكون خطابه بهذه المناسبة بمثابة بوصلة سياسية ترسم ملامح المرحلة المقبلة.
فإذا اختار الملك أن يتناول مطالب “شباب جيل زد” في خطابه، فذلك قد يكون لحظة فارقة… لأن هذا الجيل لم يعد صامتاً، بل أصبح صوتاً عالياً في الشارع وفي العالم الرقمي، يطالب بالكرامة، بالعدالة الاجتماعية، وبفرص حقيقية لا بشعارات قديمة. نتمنى يحمل الخطاب اليوم إشارات صريحة لفتح أفق جديد أمام هذا الجيل، فقد تكون تلك بداية التحول الذي طال انتظاره.
أمين بوشعيب / إيطاليا
