أمين بوشعيب / إيطاليا
تميز “دستور المغرب 2011 “عن الدساتير السابقة بتوضيح مهامّ الأحزب السياسية، وخصص لها فصلا “طويلا يتكوّن من سبع فقرات، حيث رتب تلك المهام في الفصل السابع كالتالي: تأطير المواطنين، وتكوينهم سياسيا، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وتدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية.
هذا من الناحية النظرية، لكن إذا نظرنا إلى أرض الواقع فإننا نجد أن الأحزاب لا تقوم بأي دور يذكر في تجسيد تلك المهام وتفعيلها، حيث اختزلت المهام والأدوار الموكولة إليها دستوريا، في البحث عن ممارسة السلطة فقط، والوصول إليها، لذلك فهي لا تنشط إلا في المواسم الانتخابية بحثا عن تصدر نتائج الانتخابات.
ذلك أن الأحزاب في المغرب، مصابة بداء عضال اسمه الخلود في الزعامة الحزبية، وهو ما ينعكس سلبا على روح الديمقراطية التي سعى دستور 2011 إلى ترسيخها. والعجب العجاب أن هذه الأحزاب ما فتئت تنادي بالديمقراطية على مستوى الدولة بل وجعلتها شعارا لحملاتها ومؤتمراتها. لكنها أثناء الممارسة تقوم بنقيض ما تنادي به، ولنا في ذلك عدة امثلة.
في الآونة الأخيرة شهدت ثلاثة أحزاب عقد مؤتمراتها، من أجل انتخاب “قيادة جديدة” تقود المرحلة القادمة، ومن خلال بتتبعنا للأجواء التي مرت فيها تلك المؤتمرات، رأينا كيف تمّ ذبح الديقراطية من الوريد إلى الوريد:
ففي مؤتمر حزب الاتحاد الدستوري عرف إنزالا قويا لأشخاص موالين للمرشح محمد جودار، الذي يعتبر أحد المقربين للأمين العام السابق، محمد ساجد، حيث ظل أنصاره يهتفون باسمه لفرضه مرشحا وحيدا، وبالتالي فائزا بمنصب الأمين العام. وبالفعل تمّ لهم ما أرادوا عن تخطيط مسبق بين بعض القياديين المنتفعين، من الوضع القائم.
أما في مؤتمر حزب التقدم والاشتراكية، وهو من أشد الأحزاب دفاعا عن الخيار الديمقراطي في المشهد السياسي برمته، فقد تمّ فسح المجال أمام الأمين العام الحالي محمد نبيل بنعبد الله، مرشحا وحيدا ليفوز بولاية رابعة تحت تصفيقات المؤتمرين، وإن تعجب فعجب قول هذا الزعيم الديمقراطي، قبل المؤتمر، أنه لن يترشح من جديد لقيادة سفينة الحزب. لكن أمام إصرار بعض أعضاء الحزب الذين قرروا الدفع به من جديد قبِل مرغما تقلد المسؤولية من جديد. وأمام اللغط الذي صاحب ما حدث في ظل عدم تقدم أي مرشح لمنافسة الأمين العام المنقضية ولايته، وصفت رئاسة اللجنة ترشيح “نبيل بنعبد الله” بأنه ترشيح يحترم الشروط المقررة في القانون. فأي قانون هذا الذي يكرس تحكم وتسلط فرد واحد داخل هذا التنظيم السياسي، ألا يثير استمرار شخص لمدة طويلة على رأس الحزب، تساؤلات بخصوص المشروعية الديمقراطية التي يستند عليها هذا الأخير للبقاء في منصبه؟
وأما في مؤتمر حزب الحركة الشعبية، فقد غاب التنافس حول الترشح لمنصب الأمين العام، ولم يجرؤ أي عضو على تقديم ترشيحه لمنافسة صهر حليمة العسالي المرأة الحديدية والنافذة في الحزب، ليبقى محمد اوزين مرشحا وحيدا لمنصب الأمانة العامة، حيث تمّ انتخابه عن طريق التصفيق.
يرى أحد الباحثين في الشأن السياسي أن الظاهرة الحزبية في المغرب تميزت منذ نشوئها بفكرة الزعيم الذي شكل باستمرار لحمة التنظيمات الحزبية بمختلف تلويناتها ومشاربها الفكرية والسياسية، الشيء الذي أدى إلى مأسسة هذه الظاهرة وترسيخها في المنظومة الحزبية، حيث شهد المغرب بروز مجموعة من الرموز والقادة الحزبيين بعد الاستقلال … والذين لعبوا دورا فعالا في تشكيل المشهد الحزبي في البلاد، و عمل هؤلاء على خلق تنظيمات سياسية خاصة بهم من أجل الانفراد بمركز السلطة فيها، الأمر الذي كان من بين أهم أسباب التعددية الحزبية في المغرب، فعدم قبول هذه الشخصيات التاريخية بزعامة غيرها جعل فضاء كل حزب يضيق من تداعيات هذا التنافس لينفجر فيتم خلق حزب جديد.
إن داء الزعامة يحول دون تجديد النخب، ويقف عائقا أمام الابتكار والإبداع الحزبي، ويغلق كل الأبواب في وجه الشباب الذين يطمحون إلى التغيير والتجديد، وأما المعارضين لأفكار الزعيم وتوجهاته، فمصيرهم إما التهميش، أو الطرد التعسفي من الحزب لمجرد أنهم قالوا “لا” للزعيم المُلهم. وبالتالي تشيع ثقافة الفوبيا والقلق من المجهول في صفوف أعضاء الحزب، إذ تعمد القيادة إلى إقناع الأعضاء والمنتسبين للحزب بأن التغيير قد يؤدي إلى حالة من الاضطراب والفوضى وعدم الاستقرار، وأن الأمر قد يصل إلى حد الأزمة التي تعصف بالحزب.
فلاش: وخلاصة القول، فلا بد من الاعتراف أن الحياة الحزبية في المغرب، قد وصلت إلى تطور فريد من نوعه، إذ أصبح زعيم الحزب في حد ذاته يشبه «الكيان المقدس» الذي يعلو فوق مصالح أعضاء الحزب ومنخرطيه ومصالح الوطن عموما. لذلك لا بد من ثورة داخل الأحزاب يقودها الشباب من أجل تجديد القيادة لأن هذا المطلب هو أحد أهم مظاهر الديمقراطية في الحياة السياسية. وكما قال الملك محمد السادس في أحد خطبه الموجهة إلى ممثلي الأمة في البرلمان:” إن ما ينبغي الانتباه إليه، هو أن الحياة السياسية لا ينبغي أن ترتكز على الأشخاص، وإنما يجب أن تقوم على المؤسسات.