المؤسسة المحمدية
من القرارات التي وردت في الخطاب الملكي الأخير، قرار إحداث مؤسسة جديدة ستحمل اسم المؤسسة المحمدية للمغاربة القاطنين بالخارج، تيمنا باسم جلالته، و التي نعتبرها تتويجا و تشريفا لمغاربة المهجر بمختلف أجيالهم و فئاتهم و بلدان إقامتهم .
و تعكس الإرادة الملكية، من خلال إحداث المؤسسة المحمدية المرتقبة، بما تحمله من دلالة قوية و إشارة بليغة على مستوى العناية الملكية المعهودة لجلالته، و على مستوى إعادة الهيكلة التي تدشن لهندسة جديدة تهدف إلى تشييد معمار مؤسساتي يشرف عليه مباشرة جلالة الملك، و يقربنا اكثر من المؤسسة الملكية دون اللجوء إلى وساطة الأحزاب و الوزارات و الإدارات و كل مجالس الحكامة و الهيئات ذات الصلة، التي فشلت جميعها، في تدبير هذا الورش و تطبيق التوجيهات الملكية عبر قوانين و تدابير نزيهة و ناجعة، بعيدة عن منطق الإستهتار و اللامبالات و الزبونية و اللائحة السوداء، باستثناء مؤسسة الحسن الثاني التي لا نتردد في التنويه بإنجازاتها و كفاءة أطرها و حسها االإنساني الأصيل٠
و نحسب أن جلالة الملك، بمبادرته هذه، يعلن بقوة عن نهاية الاستراحة بالنسبة للحكومة و مجلس الجالية و مختلف مجالس الحكامة و الفاعلين السياسيين من أحزاب و برلمان و جل المتدخلين٠
و نأمل من الذين ستوكل لهم مهمة الإشراف على إعداد هندسة المؤسسة المحمدية المزمع تأسيسها، أن يتأملوا مآل مجلس الجالية الذي حاد عن جادة الصواب، و تجاهل منذ إحداثه التوجيهات الملكية، و ابتعد عن المنهجية الديمقراطية و اعتمد السلطوية المطلقة، مرة يمارسها الرئيس و مرة أخرى يستفرد بها الكاتب العام. و ننتهز هذه الفرصة للتذكير بالدور السلبي الذي لعبه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، و الذي افتقر إلى معايير النزاهة و المصداقية إثر اشتغاله على الرأي الإستشاري الذي طلبه منه جلالة الملك، هذا الرأي الذي اعتبرناه في حينه كذبا و شهادة زور على جلالة الملك، و الذي شاركت في التستر عليه جل النخب السياسية و الحقوقية و الجمعوية٠
و من باب المسؤولية و النزاهة الأخلاقية نرفض دروس الذين كانوا، إلى عهد غير بعيد، من مريدي رئاسة المجلس الفاشل، و في مقدمة موكب ودادياته من اليساريين الذين باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان و ساوموا و استفادوا و أصبحوا من قواته المساعدة في الوقت الذي كانت تقف فيه جموع المناضلين الحقيقيين أمام السفارات تتندد بما يحصل من انتهاكات لحقوق مغاربة العالم بمنطق الزبونية و شراء الذمم. إنه لا يستقيم ان يصبح من كان طرفا في المؤامرة التي قادها مجلس الجالية
ضد حقوق مغاربة العالم أن يصبح بقدرة قادر، حكما نزيها، بين عشية و ضحاها٠ ان مساحيق التباهي بالانتماء إلى يسار تاجر بمبادئه في سوق الخردة و تنكر لشهادءه و تاريخه ، لم تعد تخدع الرأي العام لمغاربة العالم و بالأخص الشباب منهم٠
المؤسسة المحمدية و انتظارات مغاربة العالم
أزمة أم سوء تفاهم٠
لقد عرفت العلاقة بين الدولة المغربية و مغاربة المهجر أحداثا لا زالت أصداؤها حاضرة في الأذهان٠ بعضها ترك شعورا بخيبة الأمل، نذكر منها على سبيل المثال، ما حصل إبان جائحة كورونا عندما قررت السلطات المغربية إغلاق حدودها و مجالها الجوي و ما ترتب عنه من ترك الآلاف من مغاربة العالم عالقين بعيدين عن عائلاتهم و أماكن عملهم، و استحالة دفن عدد كبير من العائلات المغربية المهاجرة لموتاهم بأرض الوطن٠ و شعروا بأن سلطات دول الإقامة كانت أحرص عليهم في تعاملها بلطف و حس إنساني لم يكن حاضرا في معالجة السلطات المغربية للأوضاع الصعبة التي مروا بها. و نفس الشعور بالتجاهل و غياب أدنى مستوى من التواصل ساد بين أوساط مغاربة العالم و نتج عنه توتر شديد و تساؤلات كثيرة عقب ما راج حول عزم الحكومة المغربية تزويد سلطات دول الإقامة بمعلومات حول الممتلكات و الحسابات البنكية التي يملكها مغاربة العالم بالمغرب.
و في نفس الوقت غمر الجالية المغربية بالخارج شعور بالفخر و الاعتزاز بالوجوه المتألقة التي برزت من بين صفوفها في مختلف دول إقامتها، نساء و رجالا، من الأكاديميين و الأطباء و الباحثين و المفكرين و المدراء و أهل الإختصاص، في مختلف مجالات العلوم و التكنولوجيا المتقدمة في العديد من الجامعات المرموقة و المعاهد العليا عبر العالم، في التعبئة الشاملة التي شهدتها الأوساط العلمية العالمية، لمواجهة جائحة كورونا و آثارها٠ كما كان للتوجيهات الملكية، الداعية إلى تخفيض أثمنة تذاكر الطائرة لفائدة مغاربة العالم صدى طيبا، شعروا من خلاله بعطف و عناية جلالة الملك بأحوالهم و تضامنه معهم٠
و عليه و من خلال هذه القضايا التي ذكرنا، نأمل من الذين ستوكل لهم مسؤولية إحداث المؤسسة الجديدة ذات الصلاحيات الموسعة على مستوى التنسيق و التنفيذ في كل المجالات المتعلقة بمغاربة العالم، من سياسات عمومية و غيرها من التدابير و المبادرات، أن تنصت إلى الفعايات و الأطر الجمعوية الجادة المشهود لها بالحضور و الاستمرارية و حسن الأداء و الحس الوطني و المصداقية، للإسفادة من تجاربها و خبرتها و أخذ مطالبها و اقتراحاتها البناءة مأخذ الجد٠
و من القضايا المركزية التي تفرض نفسها، كل ما يتعلق بالأطفال و الشباب بسبب ما يتعرضون له من اختراقات و تأثيرات سلبية على مستوى التربية و التفكير و التعليم و السلوك، و ما تسببه من انحرافات تهدد ارتباطهم بقيم و مقومات هويتهم الثقافية و علاقتهم ببلادهم الأصل٠
و من الملفات العاجلة التي يجب الاهتمام بها، ملف الجيل الأول من المسنين المتقاعدين الذين تتطلب أوضاعهم و معانات الكثير منهم، تركيز العناية بهم، لتسهيل تنقلهم و سفرهم و ولوجهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج و توفير المساعدة الاجتماعية لهم و تبسيط الإجراءات الإدارية و المساطر الجمركية و خفظ أسعار تذاكر السفر لصالح هذه الفئة من مغاربة العالم٠
و اعترافا بما قدمه المسنون من مغاربة العالم، نساء و رجالا، من خدمات جليلة لوطنهم ، نأمل من كريم عناية جلالة الملك، أن يضم الوفد الرسمي الذي يبعثه جلالته في كل موسم حج إلى الديار المقدسة، مجموعة من هذه الفئة من مغاربة العالم٠
اليمين المتطرف في دول الإقامة٠
إن ما يطرأ من تغيرات سلبية مقلقة، في كثير من مجتمعات دول استقرار مغاربة المهجر، بسبب تصدر الإديولوجيا و الفكر الداعمين لليمين المتطرف، اصبح حاضرا في الحملات الانتخابية و صناديق الاقتراع و السياسات العمومية التي تعتمدها حكومات مدعمة بأغلبيات يمينية تتبنى خطاب الكراهية و العنصرية والإسلاموفوبيا٠ و لا تتردد الحركات المتطرفة في تحميل الأقليات و المهاجرين و المواطنين الأوروبيين المنحدرين من أصول أجنبية مسؤولية الأزمة الاقتصادية و الإجتماعية و السياسية التي يمر منها العديد من دول إقامة جاليتنا. كما بات خطاب اليمين المتطرف و ما يحمله من أفكار ضد الأجانب الشغل الشاغل لجل قنوات المشهد الإعلامي السمعي البصري العمومي و الخاص، و مواقع التواصل الاجتماعي و المنصات الرقمية، باستثناء القليل منها الذي يحاول تمرير خطاب موضوعي و مسؤول.
و تأسيسا على ما سبق، ننتظر من المؤسسة المحمدية الجديدة إحداث إطارعمل، يشتغل ضمن شراكات مع كل المتدخلين ذوي الصلة، للقيام بعمليات تحسيسية و أنشطة توعوية و مبادرات مدنية لتعرية أفكار اليمين المتطرف العنصرية و تفنيد برامجه الانتخابية و ما تحمله من مغالطات، و التفكير في مختلف الوسائل و الطرق الناجعة لمواجهته بطرق ديمقراطية.
ورش القيم و الثفافة و الإبداع٠
و نعتقد ان المؤسسة المقبلة مطالبة بمراجعة كاملة لتدبير القضايا المتعلقة بالثقافة الوطنية بلغتيها الأمازيغية و العرية، و قيم هويتنا الثقافية بجميع أبعادها، و في مقدمتها الشأن الديني بما يعزز سلطة إمارة المومنين بين مغاربة العالم، و التعريف بالنمودج الديني المغربي و ما يتميز به من قيم الانفتاح و التسامح و التعايش مع الآخرين، في انسجام بين القيم الديمقراطية الكونية و مقومات هويتنا الثقافية الوطنية، علاوة على مواجهة كل الأفكار المتطرفة الدخيلة، و وضع حد لحملات الإختراق التي أصبح يتعرض لها مغاربة العالم، و التي فشلت مقاربة الأمن الروحي في التصدي لها بالنجاعة المتوخاة.
كما نتمنى من المؤسسة المحمدية، عند صياغتها لسياستها الثقافية الموجهة لمغاربة العالم، الاهتمام بكل مجالات الإبداع في شتى الفنون و الآداب بإحداث الفضاءات الثقافية و دار للطبع و النشر و تنظيم معارض للكتاب و الفنون التشكيلية و تشجيع رجال اللأدب والتأليف و الفنانين و المبدعين و التعريف بأعمالهم و إبداعاتهم و تأسيس الفرق الموسيقية و المسرحية و دعمها بالتمويل و الجوائز و النشر و المواكبة. و في هذا الشأن يجب ان نستحضر ما جنيناه و لا زلنا من مكاسب على صورة المغرب و سمعته، على مستوى الديبلوماسية العامة و الموازية و القوة الناعمة، بفضل تواجد و أداء أبطال عالميين من مغاربة العالم ضمن تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم الذي لا زال إنجازه الباهر في بطولة العالم بقطر حاضرا في كل الأذهان، و الذي يجب ان يكون لنا مثالا و نموذجا نقتدي به في رياضات أخرى، و كل مجالات الثقافة و الفن و الإبداع و الابتكار و البحث العلمي.
تحية عرفان و تقدير٠
و اعترافا بالجميل، نبعث رسالة تحية و تقدير إلى كل من الباحث الجليل المقتدر الأستاذ عبدالكريم بلگندوز، و الأكاديمي الألمعي الأستاذ عبدالله ساعف و مركز الدراسات و الأبحاث في العلوم الإجتماعية، اللذان يمثلان القلة القليلة من أهل العلم و التمكين و المبادئ، القابضين على الجمر و العاضين على الحديد من الباحثين الجادين الذين اهتموا بالبحث العلمي الرصين في قضايا الهجرة و بالأخص قضايا مغاربة العالم التي تطرقوا لها بالدرس و التحليل وتعميق التمكين العلمي العملي و النظري بمختلف تطوراتها و إشكالياتها. كما نوجه تحية شكر و امتنان إلى الكل العاملين و القائمين على مركز الدراسات و الأبحاث في العلوم الإجتماعية، الذي يفرض اليوم، بفضل تراكم إنجازاته، ريادته على المستوى الوطني و بين نظرائه على المستوى العالمي. و من الأعمال البحثية العلمية الاستثنائية حول الحقوق السياسية لمغاربة العالم وجب التنويه بأطروحتي الدكتوراه لكل من الأستاذة الباحثة المقتدرة الدريسية الوردي و الأستاذ الباحث المجتهد رشيد المودني، فلهم منا جزيل الشكر و العرفان٠
خاتمة
و لهذه الاسباب كلها التي فصلنا فيها القول، نعبر من جديد لجلالة الملك عن عظيم امتناننا و جزيل شكرنا. و لأننا لا نثق إلا في جلالة الملك، نعتبر ما جاء في مضامين خطابه الأخير، إضافة إلى خطاب 6 نونبر 2005 و خطاب 6 نومبر 2007 و خطاب 20 غشت 2022، خارطة الطريق و دفتر التحملات في كل ما يتعلق بإعداد السياسات المقبلة لمغاربة العالم، و التي يجب ان تبدأ بطرح سؤال المشاركة السياسية و المواطنة الكاملة و اقتراح حلول ديمقراطية عاجلة لها.
أننا لسنا سذجا إلى درجة الغباوة لنظن أن جميع الفاعلين المعنيين بملف مغاربة الشتات سينخرطون بنية حسنة في تطبيق التوجيهات الملكية، و التعامل بإيجابية مع مطالب و مقترحات جمعيات مغاربة المهجر.
و ذلك لاننا نعلم علم اليقين، من تجارب الماضي، ان الاوساط المعادية للحقوق السياسية و مواطنة مغاربة المهجر، من الحكومة و الإدارة و الفاعلين السياسيين و كل الذين نصبوا انفسهم أوصياء علينا ضد إرادتنا، و بالأخص من قيادة مجلس الجالية الحالي، ستواصل عرقلة التوجيهات الملكية و التآمر على مغاربة العالم لتمزيق وحدتهم و تشتيت صفوفهم ببعث الوداديات القديمة و الدفع قدما بالوداديات اليسارية التي تدور في فلك مجلس الجالية و التنقيص من شأنهم بكل الوسائل دفاعا عن صفقاتهم و مصالحهم الشخصية الضيقة.
و ختاما، إننا كصوت من أصوات المجتمع المدني الديمقراطي لمغاربة العالم، لا ندعي تمثيل أي فئة من مغاربة المهجر، لان التمثيل الحقيقي هو التي يخرج من صناديق الإقتراع بعد انتخابات ديمقراطية نزيهة٠
و من هذا المنطلق، و كفاعلين جمعويين غيورين على قضايا و مصالح جاليتنا، فإننا لا نتردد في التعبيرعن رأينا و تقديم مقترحاتنا بكل حرية و مسؤولية و تقاسمها مع كل أطياف المجتمع المدني الديمقراطي لمغاربة العالم و وضعها بين أيدي كل من يهمه الأمر.
وتأسيسا على كل ما سبق، ندعو كل الفاعلين و الأطر الجمعوية لمغاربة الشتات إلى نبذ الزعامات الشعبوية و العنتريات الوهمية و ان نعمل و نجتهد من أجل وحدة الصف و تنسيق المبادرات و تبادل الخبرات و التجارب و تعزيز الروابط بيننا بإبرام الشراكات وعقد المؤتمرات و الندوات التكوينية و الانخراط في مبادرات مشتركة ، بحس سياسي نضالي قوي و إرادة صلبة، معززين بإرادة ملكية راسخة تصدح بها خطب ملكية تاريخية مؤسسة، لتعبئة قوانا و تجنيد كل إمكانياتنا و جهودنا من أجل هدف واحد، هو الاعتراف بنا كمواطنين مغاربة كاملي المواطنة، و التي تعني أولا و أخيرا المشاركة السياسية عبر انتخابات نزيهة، تصويتا و ترشيحا انطلاقا من دوائر انتخابية بمختلف بلدان استقرارنا، علاوة على القيام بالمراجعة الدستورية الضرورية لتمثيلنا في الغرفة الثانية، و بمختلف مجالس الحكامة بمعايير الديمقراطية و النزاهة و التمثيلية و الكفاءة، و على رأسها مجلس الجالية المغربية بالخارج و المؤسسة المحمدية المرتقبة التي نتمنى لها كامل التوفيق.
بروكسل، 25 نونبر 2025
عن سكرتارية
التنسيقية الديمقراطية للشتات المغربي
[email protected]
عبدالعزيز سارت