
بقلم: د.عبد العالي بلياس استاذ القانون الدستوري
قفز إلى سطح النقاش السياسي والإعلامي وفي وسائل التواصل الاجتماعي الحلول الدستورية الممكنة التي يوفرها الدستور، لتجاوز هكذا حالات التي يمكن أن تقع وتتطلب تتدخل الجهات الدستورية لتجاوزها، وسبب هذا النقاش المطالب الشبابية لإقالة رئيس الحكومة.
الدستور المغربي لسنة 2011 وضع عدد من المكنات الدستورية التي يمكن من خلالها وضع حد للحكومة، جزء منها بيد الملك باعتباره رئيسا للدولة، وجزء بيد السلطة التشريعية، وجزء بيد رئيس الحكومة باعتباره رئيس السلطة التنفيذية.
الدستور المغربي تصور بعض الحالات التي يمكن أن تواجه فيها الحياة المؤسساتية والسياسية والحياة العامة انسدادات يتعذر معها السير العادي لشؤون الدولة والمجتمع سواء في الشق المتعلق بالحياة الدستورية أو في الشق المتعلق بالحياة العامة، حيث وضع لها حلولا، وفي بعض الحالات الأخرى تقوم السلطات الدستورية بعملية التأويل والتفسير أو تلجأ إلى الممارسات الدستورية.
فمع الأزمة الصحية كوفيد 19 وجد المغرب نفسه أمام فراغ دستوري وتشريعي لمواجهة هذا الوباء الذي يهدد الصحة العامة، وكان الحل هو البحث في تفصيل المقتضيات الدستورية ووجد الحل إلى الفصلين 21 و24 من الدستور لإصدار مرسوم بقانون لإعلان حالة الطوارئ الصحية.
وفي حالة ما سمي بالبلوكاج الحكومي، وجدنا أنفسنا مرة أخرى أمام فراغ دستوري يعالج حالة فشل رئيس الحكومة المعين في تشكيل الحكومة، حيث تم اللجوء في هذه الحالة إلى الفصل 42 من الدستور لتجاوز حالة الجمود الذي عرفته عملية تشكيل الحكومة، حيث تصرف الملك باعتباره رئيس الدولة الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين، وعين شخصية ثانية من الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات احتراما لروح ومنطوق الدستور.
ولكن هل يمكن للملك أن يقوم بإعفاء رئيس الحكومة المعين والمنصب من طرف مجلس النواب ؟ لا نتوفر على الممارسة الدستورية في هذا المجال، ما نتوفر عليه هو المقتضيات الدستورية الواردة في الفصل 47 من الدستور.
بالرجوع إلى الفصل 47 من الدستور فإن الملك يمتلك صلاحية إعفاء عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة بعد استشارة رئيس الحكومة، وأن رئيس الحكومة يمتلك صلاحية أن يطلب من الملك إعفاء عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة إما بناء على رغبة رئيس الحكومة أو بناء على استقالتهم.
خارج هذه المقتضيات لا نجد مقتضيات لا صريحة ولا ضمنية تعطي للملك صلاحية إعفاء رئيس الحكومة، لأن منطوق الفصل 47 واضح لا يقبل أي تأويل، لأن لو اتجهت نية المشرع الدستوري إلى ذلك لنص عليها، كما فعل في الدساتير السابقة والتي أعطت للملك الحق في إعفاء الحكومة كاملة.
وإن القول بأن من يمتلك صلاحية التعيين يمتلك صلاحية الإعفاء طبقا لمبدأ توازي الشكليات في القانون الإداري، يختلف في القانون الدستوري الذي ينظم شؤون السلطة والمؤسسات الدستورية وينظم علاقة الدولة بالمجتمع كأفراد وجماعات، حيث أن الدستور وفر عددا من المخارج الدستورية للحالات التي يمكن أن تتطلب اتخاذ قرارات مؤسساتية ذات طبيعة دستورية وفق الحالات التالية :
الحالة الأولى : بحيث يمكن في هذه الحالة إذا تطلب الأمر ذلك أن يقدم رئيس الحكومة استقالته حيث يترتب عن هذه الاستقالة إعفاء الحكومة بكاملها من طرف الملك، وتتحول الحكومة المنتهية مهامها إلى حكومة تصريف الأعمال إلى حين تعيين الحكومة الجديدة، أو اللجوء إلى الفصل 51 من الدستور وحل البرلمان أو أحد مجلسيه والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها.
الحالة الثانية : وتوجد بيد السلطة التشريعية بحيث يمكن في هذه الحالة إثارة المسؤولية السياسية للحكومة في إطار الفصل 105 من الدستور الذي يعطي لمجلس النواب الحق في التقدم بملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة.
الحالة الثالثة : هي التي توجد في بيد رئيس الحكومة نفسه الذي يتقدم بتصريح يدلي به أمام مجلس النواب حول السياسة العامة أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه في إطار الفصل 103 من الدستور حيث يؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.