الأستاذ إدريس رحاوي
في كل خطاب ملكي، يتكشف لنا عُمق الرؤية وبُعد النظر اللذين ينتهجهما صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في إدارة ملفات الدولة وعلى رأسها قضية الصحراء. خطاب البارحة جاء ليؤكد على مسار طويل وشاق من العمل الدبلوماسي الذي صاغه الملك بعناية فائقة، والذي يرتكز على تحقيق نتائج ملموسة تُقرب المغرب من حل دائم وعادل لهذا الملف الشائك.
الخطاب الملكي السامي كان بمثابة إحاطة شاملة حول ما تحقق في ملف الصحراء وما ينتظر المغرب في هذا الطريق. إنه ليس مجرد سرد للإنجازات أو الخطوات المستقبلية، بل هو إعادة رسم للسياسات الدبلوماسية المغربية، بما يعكس فلسفة شاملة في التعامل مع الخارج. فلسفةٌ بنيت على أسس متينة من الاحترام المتبادل، والاستقلالية الصارمة، والواقعية في التعاطي مع التحديات الدولية.
صاحب الجلالة نصره الله اشتغل في صمتٍ وهدوء، وبُعد نظر على بناء شخصية قوية ومستقلة للمغرب في علاقاته الخارجية. لم يكن ملف الصحراء سوى أحد الواجهات التي أظهرت مدى صرامة هذه السياسة. لقد تحولت الدبلوماسية المغربية، بقيادة ملكية حكيمة، إلى نموذج يحتذى به على المستوى الإقليمي والدولي، حيث نجح المغرب في تحقيق مكاسب دبلوماسية كبيرة، تمثلت في اعترافات دولية متزايدة بسيادته على أقاليمه الجنوبية.
صاحب الجلالة نصره الله بعقليته الإستراتيجية، استطاع أن يُبعد هذا الملف عن المزايدات السياسية والدعائية، وركز على نهج يعتمد الواقعية والتفاوض البناء. فأصبح المغرب شريكًا موثوقًا به على المستوى الدولي، يعتمد عليه في حل الأزمات الإقليمية، مما عزز من موقعه السياسي والاقتصادي.
ملف الصحراء المغربية لم يكن مجرد مسألة حدود أو نزاع إقليمي، بل هو جزء لا يتجزأ من هوية المغرب وسيادته. وقد استطاع صاحب الجلالة نصره الله ، عبر سنوات من الجهود الدؤوبة، أن يضع هذا الملف في صلب الدبلوماسية المغربية، عبر نهج براغماتي يعتمد على تعزيز العلاقات الدولية المتينة مع الدول الكبرى، وإقامة شراكات اقتصادية واستراتيجية قائمة على المصالح المشتركة.
ومع كل خطاب ملكي سامي ، يتجلى مدى عمق العمل الذي يقوده جلالة الملك نصره الله شخصيًا في هذا المجال. فلم تعد قضية الصحراء ملفًا يُناقش في الأروقة الدولية فقط، بل أصبحت جزءًا من الخريطة الاقتصادية والتنموية للمغرب، حيث جرى إطلاق مشاريع تنموية كبرى في الأقاليم الجنوبية بهدف تعزيز الاندماج الاقتصادي لهذه المنطقة مع باقي أنحاء البلاد.
الملك محمد السادس نصره الله رسم معالم شخصية جديدة للمغرب على الصعيد الدولي. إنها شخصية تجمع بين الصرامة في الدفاع عن المصالح الوطنية، والاحترام المتبادل مع الدول الأخرى. الدبلوماسية المغربية لم تعد مجرد أداة لتحقيق مكاسب سياسية، بل أصبحت تمثل صوتًا قوياً في المحافل الدولية، تحظى بالاحترام والتقدير.
العمل الدبلوماسي المغربي، بقيادة ملكية حكيمة، حقق إنجازات ملموسة في ملفات عدة، منها فتح قنوات جديدة للتعاون مع دول كانت تُعد خصومًا في الماضي، مثلما حدث مع بعض الدول الإفريقية التي عادت لتعترف بمغربية الصحراء. هذه التحولات تُبرز مدى القدرة على استخدام أدوات القوة الناعمة لتعزيز مكانة المغرب إقليميًا ودوليًا.
الخطاب الملكي السامي اليوم يضع المغرب على أعتاب مرحلة جديدة، عنوانها الرئيسي هو الاستمرار في الدفاع عن القضايا الوطنية بحزم وصرامة، مع الانفتاح على التعاون الدولي. فالمغرب لم يعد ذلك البلد الذي ينتظر الحلول من الخارج، بل بات فاعلًا دوليًا يحظى بالاحترام، وقادرًا على فرض رؤيته على المستوى العالمي.
بقيادة ملكية رشيدة، أصبحت الدبلوماسية المغربية قادرة على بناء جسور جديدة وتعزيز التحالفات القديمة، مما يعزز من مكانة المغرب كقوة إقليمية ودولية. وكما أشار صاحب الجلالة في خطابه، فإن الطريق لم ينته بعد، وما تحقق هو مجرد خطوة في مسار طويل من العمل الجاد والتفاني من أجل مستقبل أفضل للمغرب ولمواطنيه.
لا يمكن النظر إلى ملف الصحراء المغربية بمعزل عن الرؤية الشاملة للسياسة الخارجية المغربية، التي تقودها الدبلوماسية الملكية بحكمة وتبصر، معتمدة على الواقعية والتفكير الاستراتيجي. هذه الدبلوماسية، التي بنيت في صمت وهدوء، أثبتت قوتها واستقلاليتها، ووضعت المغرب في موقع متميز على الخارطة الدولية.