
الرباط / محمد كريم
نظم حزب الاستقلال مهرجانا خطابيا تخليدا لذكرى 51 لوفاة زعيم التحرير علال الفاسي .
فجاء خطاب الامين العام لحزب الاستقلال الدكتور نزار بركة حول المنظومة القيم عند الزعيم علال الفاسي.
نزار بركة:
في الذكرى الحادية والخمسين لوفاة زعيم التحرير والمفكر الوطني علال الفاسي، يستحضر حزب الاستقلال ومعه كافة القوى الحية في البلاد سيرة رجلٍ لم يكن مجرد زعيم سياسي، بل مؤسسًا لمدرسة فكرية ووطنية متكاملة، جعلت من القيم مرجعًا ومن النضال سلوكًا ومن الوطن أفقًا جامعًا.
ولد علال الفاسي بفاس، وتربى في أحضان العلم الشرعي والفكري، ليكون أحد أبرز رجالات المغرب في القرن العشرين. لم تكن معركته محصورة في تحرير الأرض من الاستعمار، بل امتدت لتحرير الإنسان من الجهل، ومن القيم السلبية، ومن الجمود الفكري، ساعيًا إلى بناء مغربٍ يقوم على الإيمان، والعقل، والعمل.

علال الفاسي: رجل دولة وفكر وأخلاق
من خلال خطبه وكتاباته ومواقفه، أرسى علال الفاسي ملامح مشروع حضاري إصلاحي متكامل. فقد آمن بأن الإسلام ليس فقط عقيدة وعبادة، بل نظام شامل للحياة، يتضمن السياسة والاقتصاد والاجتماع، ويقوم على قيم الوسطية، والتوازن بين المادة والروح، وبين الدنيا والآخرة. كان يرفض أن تتحول المرجعيات إلى عائق أمام التجديد، ويرى في الاجتهاد المقاصدي أداة لفهم متجدد للدين يتلاءم مع روح العصر.
وقد شدد مرارًا على أن فقدان القيم هو التهديد الحقيقي للأمم. “إن أعظم خطر يتهدد الأمة ليس الاستعمار ولا الفقر، بل فقدان القيم التي بها تتماسك الجماعة”، يقول الزعيم الراحل، في موقف يختصر رؤيته لجوهر النهوض الحضاري.
أزمة القيم في مغرب اليوم: هل نستحضر فكر الزعيم؟
اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على وفاته، تبرز مظاهر مقلقة تؤكد أن معركة القيم لم تنته. من ارتفاع معدلات الطلاق، إلى العنف المدرسي، وتفكك الأسر، وانعدام الانتماء، وتراجع القيم الجماعية مثل التضامن والتعاون، يبدو أن المجتمع المغربي يمر بمرحلة تحوّل خطيرة تتطلب وقفة صادقة.
لم تعد المدرسة قادرة وحدها على ترسيخ المواطنة وروح الانتماء. ولم تعد الأسرة ملاذًا أخلاقيًا كما في السابق. أما الفضاء الرقمي، فقد تحول إلى “مدرسة موازية”، لا تخضع لمنطق التربية، بقدر ما تُكرّس التشتت، والفردانية، والانغلاق على الذات.
من الأزمة التربوية إلى الحاجة لمشروع مجتمعي أخلاقي
رغم الإنجازات التنموية والاقتصادية التي حققها المغرب، تبقى الأزمة الأخلاقية أخطر ما يواجه المجتمع. فالمجتمعات لا تنهض فقط بمؤشرات النمو، بل برجال ونساء يتشبعون بقيم المواطنة، والصدق، والتفاني. وهي القيم التي نادى بها علال الفاسي، وجعلها محور مشروعه السياسي والثقافي.

وحين نقرأ اليوم فكر هذا الزعيم، نكتشف أنه سبق زمنه في دعوته إلى إصلاح التعليم، وربط السياسة بالأخلاق، وفصل الدين عن التوظيف السياسوي دون أن يفصله عن الحياة. وكان يرى أن التربية الحقة هي التي تزرع في الطفل منذ الصغر حب الوطن، والالتزام بالمسؤولية، والقدرة على التمييز بين الصالح والطالح.
قيم الديمقراطية: الحرية والمسؤولية في قلب المشروع
لم يكن علال الفاسي ديمقراطيًا بالمعنى الإجرائي فقط، بل آمن أن الديمقراطية ثقافة وسلوك، تتطلب إشراك المواطن في اتخاذ القرار، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان المساواة. وكان يعتبر أن الشورى الإسلامية هي الأصل الديمقراطي الذي يليق بالأمة، بشرط أن تتوفر له الحريات والحقوق.
وقد قال رحمه الله: “لن تُبنى الأمة على أسس سليمة إلا إذا شعر كل فرد أنه شريك في مصيرها ومسؤول عن مستقبلها.” إنها دعوة إلى المواطنة الفاعلة، لا المتفرجة. إلى الالتزام، لا اللامبالاة. إلى الأخلاق، لا الانتهازية.
الخلاصة: معركة القيم هي معركة المستقبل
إن الوفاء لعلال الفاسي لا يكون بتمجيد الماضي، بل بجعل فكره نورًا نهتدي به في الحاضر. ومعركة اليوم ليست فقط ضد الفقر أو البطالة، بل هي قبل ذلك وبعده، معركة من أجل القيم. من أجل استعادة روح التضامن، وثقافة الواجب، وقيمة العمل، واحترام المؤسسات، وحب الوطن.
فلننهض بفكر الزعيم لا بوصفه إرثًا تاريخيًا، بل كمشروع مستقبلي مستمر، يضع الإنسان في قلب التنمية، والأخلاق في صلب السياسات، والوطن فوق كل اعتبارات
هده كانت كلمة الأمين العام لحزب الاستقلال الدكتور نزار بركة في دكرى وفاة زعيم حزب الاستقلال المرحوم علال الفاسي
ملخص من كلمة الأمين العام لحزب الاستقلال