أثارت مشاريع عقارية متوقفة في شمال المغرب اهتمام هيئة الرقابة المالية بسبب شبهات قوية بعمليات تبييض أموال منظمة، حيث أشارت معطيات دقيقة إلى تورط مشتبه فيهم أودعوا مبالغ ضخمة تصل إلى 80% من قيمة الشقق قيد الإنشاء بواسطة عقود حجز، ولكن هذه المشاريع توقفت عن العمل لفترات طويلة دون أن تكتمل أو يتم إصدار شهادات المطابقة اللازمة لتسليمها.
عمليات التحقيق انطلقت بناءً على معلومات من مديرية الضرائب التي أجرت مراجعات شاملة لحسابات عدد من الشركات العقارية في جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، حيث كشف التدقيق عن ارتفاع مقلق في قيمة المخزونات المحاسبية لهذه الشركات، ووجود تشابه في أسماء مودعين ضمن الكشوف البنكية، مما أثار شكوكا إضافية، ومما زاد الملف تعقد أكثر هو الكشف عن أن بعض المشترين يحملون جنسيات مزدوجة ولهم حسابات في بنوك مغربية وأجنبية.
هذا وقد امتدت التحقيقات إلى دراسة العلاقة بين المنعشين العقاريين وهؤلاء المشترين، حيث تبين أن بعض المنعشين يزاولون أنشطة بعيدة عن مجال العقار مثل الاستيراد والتصدير، علاوة على ذلك، لجأ عدد منهم إلى استخدام مكاتب بيع صورية لتضليل الرقابة المالية، حيث لم تسجل أي معاملات عبر القنوات البنكية أو بواسطة القروض السكنية، بل جرت معظم الحجوزات عبر الأداء النقدي المباشر، مما يعزز فرضية التلاعب.
وتزامنًا مع هذه التحقيقات، أصدرت الهيئة الوطنية للمعلومات المالية تقارير عن ملفات متعددة تتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تمت إحالة 54 ملفًا إلى وكلاء الملك في مختلف المدن الكبرى، الهيئة تلقت خلال عام واحد أكثر من 5000 تصريح بالاشتباه بغسل الأموال، مما يشير إلى زيادة مقلقة في الأنشطة المشبوهة.
ولاحظ المراقبون الماليون أيضًا مؤشرات تواطؤ بين المنعشين وزبائنهم، بما في ذلك تكرار أسماء مشترين بعينهم، وارتفاع أسعار العقارات خارج نطاق الدعم الحكومي، إضافة إلى اختيار مواقع مشاريع بعناية بهدف تسهيل إعادة البيع وتحقيق مكاسب سريعة، هذه الممارسات تعكس استغلالاً ممنهجًا للسوق العقارية لتبييض الأموال، ما يجعل هذه القضية نموذجًا معبرًا عن تحديات الرقابة المالية في مواجهة الجرائم الاقتصادية.
المستقل