بقلم : الصحافي فؤاد السعدي
لازالت حملات الضحك على الذقون التي تشنها سلطات مدينة طنجة مستمرة بالعديد من المناطق في مشاهد تثير الكثير من الجدل والسخرية حول الجدوى من هذه “البهرجة” المكشوفة، وهذا المسلسل الرديئ الإخراج، الذي لا فائدة يرجى منه سوى هدر الزمن والجهد للحد من ظاهرة، السلطات المحلية نفسها من ساهم في تفشيها، إما بالصمت أو بالتوطؤ أو بغض الطرف؟
فبعد مناطق طنجة البالية والعوامة وبوخالف وغيرها، جاء الدور هذه المرة على بني مكادة حيث تم استئناف عمليات الهدم بإشرف باشا المقاطعة وقائد الملحقة الإدارية 19، لمبنى من أربعة طوابق سبق لقائد الملحقة الإدارية أن أصدر قرار الهدم بشأنها قبل أن يتم إلحاقه بملحقة إدارية أخرى في إطار الحركة الإنتقالية لرجال السلطة التي تجريها وزارة الداخلية كل اربعة سنوات، في مشهد تراجيدي بئيس ومتكرر يثير الكثير من الريبة وعلامات الاستفهام بخصوص المقاربة التي تعتمدها سلطات طنجة في معالجتها لعديد الاختلالات في مجال التعمير، والتي تَحوَّل جانب منها إلى ممارسات تندرج في خانة “التغول” و”الحڭرة” بسبب طابعها الانتقائي، خصوصا عندما يتم هدم بنايات في ملكية مواطنين بسطاء دون غيرهم ممن يوصفون بذوي النفوذ من جهة، واعتماد منطق زجر المخالفين الرئيسين دون غيرهم من رجال السلطة وأعوانهم من مقدم وخليفة وشيخ ومنتخبين بغاية تحقيق مبدأ العدالة في توقيع العقاب.
إن اسلوب المزاجية والغطرسة في تعاطي سلطات طنجة مع هذه الظاهرة لن يزيدها إلا تفشيا واستفحالا، وأن هذه الحملات الموسمية أو “السعار مناسباتي” للتصدي لظاهرة البناء العشوائي لا يعدو أن يكون جعجة في فنجان إذا صح التعبير ولن يحقق أهدافه بالنظر إلى خلفيات وهواجس الجهة التي أقرته وسهرت على أخرجه بهذه الطريقة البئيسة والمكشوفة لتصور للعموم على أن سلطات طنجة جادة في محاربتها لظاهرة كانت هي نفسها بالأمس من تنعشها وتداري على فضاعتها.
والحقيقة التي لا تريد السلطات فهمها هي أن مثل هذه الحملات الموسمية لم تعد تنطلي على المواطنين، حتى أن البعض اعتبر أن منطق السلطة للتصدي لانتشار ظاهرة البناء العشوائي ما هو إلا ذر الرماد في العيون متسائلين عن الجدوى منه، وأين كانت عيون هذه السلطة نفسها عندما كانت تشيد هذه البنايات حتى وصلت الى الطابق الثالث أو الرابع؟ كذلك ما دام العقاب قد وقع على المخالف بتنفيذ قرار الهدم في شأن بنايته، ألا يستدعي بموازات ذلك محاسبة رجال السلطة وأعوان السلطة أيضا على تقصيرهم في أداء مهامهم حتى لا نقول تواطؤهم؟ ألا تعي سلطات طنجة أن اعتماد المقاربة الزجرية في محاربة هذه الظاهرة البنوية لن تجدي نفعا وأن الحملات التي شنتها وتشنها للحد من انتشار البناء العشوائي ما هو إلا هدر للجهد والزمن.
أن أصحاب البنايات التي هدمتها السلطات في إطار مكافتحها للبناء غير القانوني، هم ضحايا فراغ تشريعي وتهاون تنظيمي وتقصير إداري، على اعتبار أن القانون المتعلق بالتعمير مليء بالثغرات وفي وجود مثل هذه الثغرات تترعرع الرشوة والمحسوبية والإبتزاز وغيرها، وفي مثل هذه الضروف يكال بمكيالين.
صحيح أن ظاهرة البناء العشوائي يحرم الخزينة العامة للدولة من ملايين الدراهم سنوياً، وتشوه المنظر العمراني للمدينة، وعلى السلطات أن تكون جادة في التصدي لها في حينها وفق مقاربات مجدية وفعالة، فما هكذا تورد الإبل.
وللحديث بقية