بقلم: الصحافي فؤاد السعدي
هل نستحق كصحفيين من سياسيّ يعيش من ريع السياسة ويستثمر في التضليل والرداءة، كل هذه الإساءة وهذا الإنتقاد الغارق في الضحلة، والخارج عن حدود اللياقة واللباقة، عناء وتعب الرد عليه، أم أن التجاهل والترفع عن مثل هذه السفاهة هو الجواب المناسب لمثل هؤلاء السياسيين الشعبويين، وعدم مجارتهم من شيم الفضلاء.
فلو تفاعل ساستنا بالقدر الذي يتفاعلون به مع مقالات الصحفيين عندما تنتقد تردي عملهم السياسي ونكوصه، لما صارت بيوت الأحزاب أهون من بيت العنكبوت. كذلك لو أدركوا الدور الذي يلعبه الصحفي في رقابة المؤسسات بما فيها الحزبية وسعيه الى تقييم أداء الفاعل السياسي، لما كثرت الأعطاب العالقة بالعمل الحزبي، ولما ظهرت تلك الإشكالات التنظيمية المعقدة والمتعددة الأبعاد المقرونة بالهشاشة والسطحية المعرفية وبمستوى الأداء التنظيمي والتأطيري لبعض من يمارس مهمة تدبير شؤون هذه الأحزاب خصوصا على المستوى المحلي.
بالأمس كانت الأحزاب مدرسة لإنتاج كوادر مثقفة، تتمتع برصيد نضالي وإشعاع فكري، أما اليوم فصار كل من يتقن فن الشعبوية هو من يلج عالم السياسة للاستحواذ على المغانم والمكاسب والإستفادة من الريع. بالأمس كان من يمارس السياسة حاملا لمشعل الشرف ولقيم النبل والنزاهة والصدق والأمانة والوفاء بالعهد، أما اليوم فأصبح الفاعل السياسي مرادفا للتيئيس والبؤس بكل أبعاده وتجلياته، وعنوانا للإنحطاط الأخلاقي والسياسي. و السبب يكمن في أن هذه الأحزاب فتحت الباب أمام “كراكيز” انتهازية ووصولية براكماتية تعمل على تأثيث المشهد السياسي بنوع من الفرجاوية والبهلوانية المبتذلة تارة وعلى خلق الصراعات والتطاحنات بين القيادة عملا بمنطف فرق تسد تارة أخرى كما يقع اليوم بالبيت الداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة بجهة الشمال. لنتساءل بكل موضوعية وحياد، ألا يحتم هذا الوضع الجديد على جهابدة الحزب قراءة تشخيصية، عن سر هذا التحول النوعي والكيفي؟ وهل وصل العقم بهذه المؤسسة الحزبية لحد إنتاج كائنات انتخابوية تقتات على الريع السياسية؟
إن نجاح أي منظومة حزبية رهين بمستويين إثنين، مقدار الوعي لدى القيادة بقضايا التنظيم والتأطير والتوجيه السياسي من جهة، وحكامة جيدة في ما يتعلق بتدبير شأن العنصر اللامادي والمادي المرصود للتنظيم الحزبي من جهة أخرى. ومن هنا جاء انتقادنا وبدون خلفية مبيتة لحالة التيه التي يعيشها حزب “البام” بالشمال ووضعية التردي في تدبير هياكله، بعدما حاولنا كشف أجواء الصراع والتطاحن بين الإخوة/الأعداء والتي وصلت حد الضرب تحت الحزام والتهديد بنشر غسيل بعضهم البعض. ونكتشف أن الحزب يسير بإيقاعين إثنين، الأول تجسده القيادة المركزية ورغبتها في تنقية الأجواء بالبيت الداخلي وتكريس مفاهيم جديدة في الممارسة السياسية تعتمد على الأخلاق والقيم وروح المواطنة، والثاني يمثله الأمين الجهوي بالشمال الذي لازال متشبثا بالممارسات البائدة المبنية على الخيانة والغدر والطعن في الذهر بين القيادات فيما بينهم. والمعضلة أننا تليقينا وابلا من الإنتقادات من قبل هذا الأخير عبر تدوينة تحوي الكثير من اللغط وتكذب ما جاء في مقالنا “حزب البام بجهة الشمال والصراع على المواقع” قبل أن يشطبها من حسابه على “الفيسبوك” بعدما استعاد ووعيه وفطن إلى أن الرد على ما اعتبره تَجنٍ على قيادات الحزب بجهة الشمال يجب أن يكون عبر القنوات الرسمية (بيان) ليحفظ للمؤسسة التي يقودها جهويا هيبتها ويفند بالتالي ما قيل وقد ما قد يقال بأن الحزب يعيش وضعا تنظيميا مزريا ومتأزما منذ تولى زمامه. وإلا، ما الداعي إلى عقد “اجتماع أصيلا” إن لم يكن الخطب جلل والحزب فعلا صار على حافة الهاوية؟ ألم تكن الدعوة لهذا اللقاء بعقر دار بنعيسى محاولة لوقف تطور الخلافات بين الإخوة/الأعداء؟ ألا يعتبر طلب العون من هذا الأخير لرأب الصدع وتصفية الخواطر، إقرارا ضمنيا بعجز الأمين الجهوي في مهمة لم شمل الاخوة، وتأكيدا صريحا بفشله سياسيا وحزبيا في تقريب وجهات النظر، وتنظيميا في اعادة الحزب الى سكته الصحيحة ووضعه الطبيعي؟
هي أسئلة كثيرة وأخرى لا يتسع المقام لذكرها لكن كافية وشافية لتوضح الموقف المحرج الذي وضع فيه هذا المسؤول الحزبي ثاني قوة سياسية بالمغرب، والمستنقع الذي هوى به بسبب قصوره السياسي في التعاطي مع الاشكالات الحزبية وسوء تقديره للأمور، وأن الشأن الحزبي لا يدبر على صفحات “الفيسبوك” أو في أماكن أخرى، ولكن بمقر الحزب وبمعية أطره وقياداته، وفي لقاءات مسؤولة وملزمة وثابتة.
فهل ستكون هذه الواقعة أو الفضيحة إن صح القول كافية للإطاحة بالرجل من على كرسي الأمانة الجهوية أم للقيادة الثلاثية رأي آخر؟ وهل ستعتبر القيادة الثلاثية ممارسات الأمين الجهوي العبثية والعشوائية الفاقدة لحس المسؤولية الحزبية والسياسية وطريقة إدارته للخلافات خاصة وللمؤسسة الحزبية عموما ذريعة كافية للتخلص مما تبقى من “تيار الريف”؟ هي الأيام القادمة الكفيلة بأن تجيب عن هذه التساءلات.