
الصحافي فؤاد السعدي

في عالم متقلب، حيث تهدد الاضطرابات الأمنية استقرار الدول، نجح المغرب في تكريس نفسه كواحة أمان وسط محيط مضطرب، وهي مكانة لم تأتِ من فراغ، بل كانت ثمرة رؤية أمنية متكاملة يقودها عبد اللطيف الحموشي، الرجل الذي أعاد تشكيل الجهاز الأمني المغربي بمزيج من الصرامة والحداثة. وهنا نطرح السؤال، هل يمكننا الحديث اليوم عن نموذج أمني متكامل؟ وأين يقف المغرب بين الحزم والانفتاح؟
في وقت اهتزت فيه مدن أوروبية وعربية على وقع هجمات إرهابية، ظل المغرب بعيدًا عن دائرة الاستهداف المباشر، بفضل مقاربة استباقية لم تكتفِ بردع التهديدات، بل عملت على تفكيكها قبل أن تتخذ شكلها العلني. والبيانات الرسمية تتحدث عن إحباط مئات المخططات الإرهابية، ما جعل الأجهزة الأمنية المغربية تحظى بتقدير دولي، وتصبح شريكًا أساسيًا للقوى الكبرى في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية.
هذا النجاح لم يكن ليتم دون تحول عميق في بنية الجهاز الأمني، خصوصا بعدما أدخلت المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني تقنيات الذكاء الاصطناعي في التتبع والرصد، وعززت التكوين الميداني لرجال الأمن، ووضعت استراتيجيات محكمة لمكافحة الجريمة المنظمة، وهو ما انعكس بشكل مباشر على تراجع معدلات الجريمة وتحسن الشعور العام بالأمان.
لكن في مقابل هذا النجاح، يطرح التساؤل الدائم، كيف يمكن التوفيق بين الصرامة الأمنية وضمان الحقوق والحريات؟ ففي الوقت الذي تؤكد السلطات أن الأجهزة الأمنية تشتغل وفق ضوابط حقوقية حديثة، ترى بعض المنظمات الحقوقية أن أي توسع في صلاحيات الأمن يجب أن يكون مقرونًا برقابة مؤسساتية تضمن عدم المساس بالحريات الدستورية.
في هذا السياق، يشير خبراء أمنيون إلى أن الاستدامة الحقيقية للأمن لا ترتبط فقط بالقدرة على تفكيك التهديدات، بل أيضًا بترسيخ ثقافة أمنية قائمة على احترام القانون، وتعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسة الأمنية، وهو ما يتطلب مواصلة تطوير العلاقة بين الأمن والمجتمع، بعيدًا عن أي صورة نمطية قد تربط الحزم بالتضييق.
المقاربة المغربية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة جعلت المملكة نموذجًا يُحتذى به، خاصة في ظل التعاون الوثيق الذي يجمعها بدول مثل فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة. غير أن التجارب الدولية تُظهر أن أي نجاح أمني يظل رهينًا بمدى قدرة الدولة على الجمع بين الفعالية الأمنية والانفتاح السياسي والاجتماعي.
في هذا الإطار، يرى محللون أن المغرب يملك فرصة لتعزيز ريادته في المجال الأمني عبر اعتماد إصلاحات مستمرة، تضمن تحديث الأجهزة الأمنية من جهة، وتعزز أدوار المؤسسات الرقابية والقضائية من جهة أخرى، بما يكرس صورة الدولة القوية والعادلة في آنٍ واحد.
إذا كان المغرب قد نجح في بناء منظومة أمنية متقدمة، فإن التحدي اليوم لم يعد يقتصر على مواجهة المخاطر، بل يشمل أيضًا القدرة على التكيف مع التحولات الاجتماعية والتكنولوجية دون المساس بالتوازن الدقيق بين الحزم والانفتاح، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع المغرب الحفاظ على تفوقه الأمني مع تعزيز صورته كدولة تحترم الحريات؟ ذلك هو الرهان الذي سيحدد ملامح المرحلة المقبلة.