بقلم: الصحافي فؤاد السعدي
انتهت محطة مهرجان “الجاز” وذابت معها أموال طائلة، وتغنت به أبواق التهريج بادعائها أنه ساهم في الترويج للمدينة، من دون أن تقدم أي أرقام أومعطيات موضوعية تفيد ذلك. اللهم بعض كتابات من ولجوا عالم حمل القلم الممزوج بمياه المستنقعات المعبرة عن حالات تفشي الرغبة في الحصول على فتات من مال الريع، عبر تلميع صورة راعي المهرجان “الشيخ” مهدي بنسعيد وزير الشباب والتواصل والثقافة أو بالأحرى “وزير المعارض والمهرجانات” ومريده عمدة طنجة “العارف بخبايا الموسيقى والمسلسلات والسفريات”.
مهرجان “الجاز” الذي بلغت ميزانيته 2 مليار و600 مليون سنتيم ساهمت وزارة الثقافة بنصف المبلغ المرصود لها بينما ساهمت كل من جهة الشمال وجماعة طنجة بمبلغ 500 مليون سنتيم، وعمالة طنجة أصيلة بـ300 مليون سنتيم، شهد تضاربا في الأراء حيث عبر العديد من المهتمين بالشأن المحلي عن مؤاخذاتهم للطريقة التي تم بها تدبير ميزانية الجماعة واصفين إياها بالسفه الأعمى المطبوع بالهزل والتحلل من القيم وهدر المال العام لفائدة حفنة من الانتهازيين، في محاولة مفضوحة لتكريس سياسة الإلهاء عن السياسات الفاشلة التي تنهجها الجهات المنظمة والداعمة غير مبالية بالدعوات الرسمية لترشيد النفقات وتوجيهها في إطار إجراءات وقرارات هادفة غايتها تحسين المستوى المعيشي اليومي للساكنة.
فما السر وراء هذا السخاء المثير للجدل في ضخ أموال من ميزانية الجماعة في الوقت الذي تواجه به مطالب المواطنين بالتجاهل والتماطل والتسويف والتعلل بالإكراهات وقلة ذات اليد وغيرها من المبررات الجاهزة؟ وما الغاية من مهرجان يبقى مجرد لحظة احتفالية عابرة مفصولة عن سياقها الثقافي والاجتماعي وتفتقر إلى رؤية تنموية مستدامة؟
لقد أصبح واضحا للعيان أن مهرجان “الجاز” بطنجة لم يكن بأي حال من الأحوال مجالا للتفاعل مع الجمهور وصناعة التغيير مع الفئات التي يتعيين أن يشكل لها النشاط الفني عامل إدماج وتثقيف وتربية وشعور بالمواطنة، ولكن مجرد مناسبة لهدر المال العام وتحقيق مكاسب شخصية تتنافى والأهداف السامية لمثل هذه التظاهرات.
وفي علاقة بصرف المال العام، يمكننا أن نطرح أسئلة مشروعة حول مساطير ومعايير منحه وطريقة صرفه ومبرراته الموضوعية،خاصة وان هذا الصرف يأتي في ظرفية خاصة تطبعها الأزمة الإقتصادية والإجتماعية وغلاء الأسعار وثقل كلفة المعيشة. فهل وزارة الشباب والثقافة والتواصل ومعها الجماعة والمجلس الإقليمي والجهة بتقديمها لدعم مهرجان “الجاز” بشكل سخي تشكل فعلا جزءا من حكومة ترفع شعارات التقشف وترشيد النفقات أم أن ذلك موجه فقط لعامة الناس وللإستهلاك والتسويق السياسي؟
فمن غير المقبول أن تتحمل شرائح عريضة من المجتمع تكلفة الأزمة الخانقة ويطلب منها في نفس الوقت الصبر لتجاوز هذه الظرفية الصعبة بينما يمعن بعض الوزراء ومعهم بعض رؤساء المجالس المنتخبة في هدر المال العام وتوزيعه بسخاء حاتمي وفق قاعدة “باك صاحبي” أو بمنطق “واستعينوا على قضاء حوائجكم بإهدار المال العام” في وقت كان حريا بهؤلاء المسؤولين أن يكونوا حريصين إظهار روح التضامن وتطبيق شعار “ترشيد النفقات”.
هي خطوة تقتضي إذن من المجلس الأعلى للحسابات التدخل ليس فقط لمراقبة أوجه صرف المال العام، بل أيضا تقييم جدوى مثل هذا الدعم في هذه الظرفية الصعبة والتأكد من معايير منحه عملا بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.