الأستاذ إدريس رحاوي/ بلجيكا
في ظل الثورة الرقمية التي يشهدها العالم، أصبحت السياحة الرقمية إحدى أهم القطاعات الاقتصادية الناشئة التي يمكن للمغرب الاستفادة منها بشكل كبير. هذا البلد الذي يمتلك تراثًا غنيًا يتجاوز الألفي عام، يتمتع بمواقع تاريخية وثقافية لا تقدر بثمن، فضلًا عن تنوع طبيعي يمتد من الصحاري إلى الجبال والسهول والشواطئ. ومع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في مختلف جوانب الحياة، يمكن للمغرب أن يتحول إلى وجهة سياحية رقمية رائدة، ما يسهم في تعزيز استقطاب السياح وزيادة الإيرادات الاقتصادية. الأرقام والمعطيات تشير إلى أن هناك فرصًا هائلة يجب استغلالها.
وفقًا لتقارير منظمة السياحة العالمية، من المتوقع أن تصل إيرادات السياحة الرقمية عالميًا إلى أكثر من 400 مليار دولار بحلول عام 2025، وهذا يعكس الأهمية المتزايدة لهذا النوع من السياحة. في المغرب، يشكل القطاع السياحي نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعله من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد. ومع التوجه نحو التحول الرقمي، يمكن للسياحة الرقمية أن تزيد هذه النسبة بشكل ملحوظ، إذ أن تقديم تجارب رقمية مبتكرة يمكن أن يجذب جيلًا جديدًا من السياح الذين يعتمدون على التكنولوجيا في تخطيط وتنفيذ رحلاتهم.
رقمنة المواقع الأثرية والتاريخية في المغرب يمكن أن تكون بداية لتحقيق هذه الطفرة. فمثلًا، مدينة مراكش، التي تُعد من أشهر الوجهات السياحية في المغرب، تستقطب سنويًا أكثر من 3 ملايين سائح. إذا تم تطوير تطبيقات وجولات افتراضية تعتمد على الواقع المعزز والواقع الافتراضي، يمكن لهذا العدد أن يزداد بنسبة تصل إلى 20%، وفقًا لدراسات حول تأثير التقنيات الرقمية على السياحة. كما أن رقمنة المواقع الشهيرة مثل جامع الفنا، فاس المدينة العتيقة، وصحراء مرزوكة يمكن أن يوفر تجارب افتراضية غامرة تجذب السياح من جميع أنحاء العالم.
التحول نحو السياحة الرقمية لا يتطلب فقط تحديث البنية التحتية التكنولوجية، بل يتطلب أيضًا تشجيع الاستثمار في الشركات الناشئة المتخصصة في هذا المجال. تشير تقديرات إلى أن الاستثمار في الشركات الناشئة الرقمية في مجال السياحة في المغرب قد يصل إلى 50 مليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. هذا الدعم يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة للشباب المغربي، لا سيما في مجالات تطوير التطبيقات والبرامج المتعلقة بالسياحة الرقمية.
تسويق التراث الثقافي المغربي رقميًا هو أيضًا عامل مهم لتعزيز هذا القطاع. البيانات تشير إلى أن 60% من المسافرين العالميين يعتمدون على الإنترنت لاختيار وجهات سفرهم وحجز تجاربهم السياحية. لذا، فإن الاستثمار في الحملات التسويقية الرقمية، سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو من خلال مواقع الحجز الإلكترونية، يمكن أن يزيد من استقطاب السياح بنسبة تصل إلى 15%. وبهذا يمكن للمغرب أن يستغل تاريخه وثقافته بشكل أفضل، لجذب شريحة أوسع من السياح الرقميين الذين يبحثون عن تجارب جديدة وفريدة.
من ناحية أخرى، يساهم التحول الرقمي في تحسين تجربة السياح أنفسهم. فعلى سبيل المثال، يمكن تطوير تطبيقات لتوفير الخرائط التفاعلية وتوجيه السياح إلى المواقع الثقافية والمطاعم والفنادق، فضلًا عن إمكانية الوصول إلى خدمات الترجمة الفورية أو المرشدين السياحيين الافتراضيين. هذه الخدمات الرقمية، التي تُقدر تكلفتها بتطوير بين 100 ألف و300 ألف دولار، يمكن أن تسهم في زيادة رضا السياح وتعزيز رغبتهم في العودة لزيارة المغرب مجددًا.
إضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة أن يساعد في تحسين إدارة تدفق السياح وتوجيههم إلى الأماكن التي تناسب اهتماماتهم. هذا سيؤدي إلى تقليل الازدحام في المواقع الشهيرة وتوزيع السياح بشكل أفضل على مختلف المناطق، مما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة للمناطق الأقل شهرة ويزيد من فرص الاستثمار في تلك المناطق.
يُظهر التحول الرقمي إمكانيات هائلة لتعزيز القطاع السياحي في المغرب. الأرقام والمعطيات تشير إلى أن هناك فرصًا حقيقية يجب استغلالها لدفع المغرب نحو أن يصبح من بين الدول الرائدة في هذا المجال. الجمع بين التراث الغني للمغرب والتكنولوجيا الحديثة سيخلق نظامًا بيئيًا سياحيًا رقميًا قادرًا على تحقيق قفزة نوعية في الاقتصاد الوطني وتعزيز موقع المغرب كوجهة سياحية عالمية.