بقلم : ذ. سعيد زروالي
اصبح العالم في السنين الاخيرة يعرف علاقات تواصلية لم تشهدها الحقب الزمنية من قبل ؛لا على مستوى السرعة و لا على مستوى المنافسة العلمية ؛ خاصة مع تطور انترنيت الاشياء ؛ كل الاقاليم و كل الدول تستند على قاعدة التدافع لتتمكن من تحقيق التوازن على كل المستويات مع بعض التفاوتات في استغلال الامكانيات المتاحة حسب الترويض الاخلاقي و القيمي الذي يعزز روح المسؤولية اتجاه هذا الكيان الضخم الذي يشكل عبر هذه الاتصالات جسدا واحدا ؛ وهذا الجسد مكون من شقين لا يمكن الاستغناء عن احدهما ؛ اذا كان العقل حكما حسب ما توصلت اليه بعض الاديولوجيات في تقزيم دوره؛ سيُنتزع الشق الايسر من الجسم حيث يستقر القلب ؛و بالتالي هذا الامر يؤدي الي فناء جسد الكيان و تغيب مسؤولية التوافق ؛ و حتى لو افترضنا جدلا ان الشق الايمن من هذا الجسد لم تبلغه سهام الفناء فلن يُكتب له الوجود الا بشقين ؛أما بدونهما فذك اسمه الفناء؛ و الحدود بينهما البحث فيها محال ؛ لان البحث عن الوسط هو بحث عن التوازنات او بحث في النِّسَب ؛ فاذا اشتكى شق استجاب الشق الاخر و اشتكى ؛فهذا الجسد الذي يحتوي اطرافا تُستعمل و اخرى تُحرك و بعض العناصر تفكر و اخرى تتأمل و تشعر ……..الخ؛ باختصار شديد هذا الجسد لا يمكن ان تنفصل مكوناته رغم ان بعضها يسبب قلق او حرج عند ذكره او ابدائه .
جسد تشكله اطراف تندثر و اطراف تنتصر و اطراف تبتكر ؛ اما الاولى فاظافر فقدت العناية لا تحسن الا التمزيق بكل اشكاله؛ تأْلَفُ الدنس في الجوانب ؛ لذلك مصيرها متوالية التقليم ؛ اما الثانية فهي القواعد المحركة للجسد و هي تنتصر للرؤية و الاتجاهات التي تفرزها الخلايا العصبية و تجليات المراكز التي تشرف على ادارة التوازن العام للجسد لذلك لا بد من السهر على رعايتها حتى لا تردعها المتغيرات و ثقل الصدمات؛ و اما الثالثة فهي العقل و الحس و كل المدارك التي تسهم في انتاج القيم و الافكار و العلوم ؛لذلك فهي تُعتبر الافرازات التي تساهم في تقليم الاظافر و ازالة الادران و تحريك القواعد ؛و هذه الحركة التي اساسها المنبهات ؛تؤدي الى تنشيط الدورة الحركية للاجهزة المكونة للنظام العام الذي يحكم الجسد انطلاقا من قاعدة الامتصاص و الافراز ؛و قاعدة الاستهلاك و الانتاج ؛ فهذا الكون الذي اصبح جسدا تلاحمت كل اطرافه بعدما كانت خلايا متفرقة هو الآن يعيش مخاض المراهقة الكبرى ؛ يتعرض لمجموعة من التغيرات و التحولات الكبيرة على كل الاصعدة خاصة الجسدية و النفسية منها ؛ يميل الى التمرد و المغامرة و اثبات الذات ؛ كل الشرايين التي تحكم حركة هذا الجسد مرتبطة بمراكز تتصدرها الازرا روهذه الشرايين متصلة بكل الاطراف المكونة للجسد ؛ و هذه الاطراف ملزمة بالحفاظ على هذا الاتصال تفاديا للانتحار لان الشرايين في هذا الجسد عبارة عن قنوات تحيي الاطراف; و الطرف الذي تطربه اغنية الذات و يرتوي بالذكريات و يهوى النظر الى نفسه في الشاشات لا يمكن له تجديد مجرى الشرايين الذي يعتبر أُس حياته لان الشرايين تربطه بالقلب و العقل و الروح ؛ طبعا هي اطراف مهمة في ادارة ميكانيزمات هذا الجسد و تعتبر من مكوناته المهمة ايضا .
الأطراف القاصية عن مراكز التحريك تحسب نفسها منفصلة و مستقلة بخصوصياتها و تراثها و ثقافتها و فنونها رغم ان هذه العناصر ما هي الا مكون من مكونات الجسد ككيان كلي لا ينفصل ؛ لكن الطوفان الرقمي حول هذا الكيان الى سفينة عملاقة تداخلت فيها الأطراف
سفينة تبدو قيادتها متعددة الاقطاب ؛ لكن سيرها و اتجاهها يبوح غير ذلك لان التعدد في القيادات يؤدي الى الغرق في البدايات; سفينة ذكية تقودها الخوارزميات التي تتسابق لتحقيق المرمى لان هذه الخوارزميات في مرحلة الطفولة نشيطة جدا تحاول التعلم دون معلم تصبو الى الاستقلالية تصيب احيانا و تخطأ اخرى شغوفة بحب التملك تشرئب الى الخلود ؛ بفعل ذكائها الرهيب استطاعت ان تتحكم في كل مفاصيل السفينة و ذلك بالعزف على اوتار التحرير و الحرية و اعطاء نفس جديد في التواصل مع مكونات السفينة ؛ الخوارزميات تحدد الحرية ؛ و الحرية تتحدد في ظل هودجها ؛ من خلالها التحرر يتجلى في الاستعمالات الرقمية في امراطورية التواصل الاجتماعي التي تتخذ من الإبعاد و التباعد في كل المجالات شعارات.. يتبع