“دور البرلمانات الوطنية والاتحادات البرلمانية الجهوية والقارية في إفريقيا والعالم العربي ومنطقة أمريكا اللاتينية في تعزيز الشراكات الاستراتيجية وتحقيق التكامل والاندماج والتنمية المشتركة” موضوع ذو راهنية سيكون على طاولة النقاش خلال أشغال المؤتمر البرلماني للتعاون جنوب-جنوب، الذي ينظم يومي الخميس والجمعة بالرباط، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وتندرج استضافة عاصمة المملكة لهذا المؤتمر الذي ينظمه مجلس المستشارين ومنتدى الحوار البرلماني للتعاون جنوب-جنوب، ورابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي، في إطار مواكبة ريادة المغرب، تحت قيادة جلالة الملك، في إطلاق ودعم كل المبادرات التنموية والتضامنية الهادفة إلى تعزيز التعاون جنوب-جنوب، وكذا في سياق تنزيل مضامين إعلان “الرباط عاصمة التعاون جنوب-جنوب” الصادر عن منتدى الحوار البرلماني “جنوب-جنوب” الذي تم تنظيمه برعاية ملكية سامية، من طرف مجلس المستشارين ورابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي، في مارس 2022 بالرباط.
كما يأتي تنظيم هذه الفعالية كتأكيد على ضرورة تعزيز روابط التعاون جنوب- جنوب والعمل المشترك بين المؤسسات التشريعية في خضم ما يعانيه العالم اليوم من أزمات متتالية ومتعددة الأبعاد، وكقناعة راسخة بأن التعاون جنوب-جنوب يعتبر خيارا استراتيجيا للتنمية المستدامة وأداة أساسية لتمتين نسيج المصالح الاقتصادية والروابط الإنسانية ولتحقيق التكامل والاندماج في الاقتصاد العالمي.
ويكتسي هذا الحدث أهميته من كون الحوار بين البرلمانات والمجالس التشريعية والاتحادات البرلمانية الجهوية والإقليمية والدولية أحد أهم أدوات الفهم المشترك للقضايا والتحديات المعاصرة وقناة هامة من قنوات تبادل الخبرات والتجارب والمعارف في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، فضلا عن كونه آلية هامة لإقامة جسر للتعاون والتفاعل بين البرلمانيين ونظرائهم من المناطق الأخرى من العالم بما يحقق التفاهم الإقليمي والدولي ويخدم القضايا المشتركة.
ومن هذا المنطلق، سينكب المشاركون على بحث مواضيع وقضايا إستراتيجية ذات راهنية، ترتبط أساسا بالتنمية والتحول الاقتصادي والتجارة والاستثمارات والتكنولوجيا والابتكار والأمن الطاقي والصحي والغذائي والمائي، في أفق بلورة وتبني توصيات ومقترحات وقرارات عملية تندرج في سياق إبراز دور البرلمانات الوطنية والاتحادات البرلمانية الإقليمية والقارية في إفريقيا والعالم العربي ومنطقة أمريكا اللاتينية، في تشجيع وتعزيز الشراكات الاستراتيجية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
وستتوزع نقاشات المؤتمر على ثلاثة محاور أساسية يهم الأول “تعزيز الحوار السياسي والأمن الإقليمي في إفريقيا والعالم العربي ومنطقة أمريكا اللاتينية من أجل تحقيق السلام والاستقرار والازدهار”، حيث يعد توفير الأمن والسلم ركيزة أساسية، من ركائز تحقيق أي تنمية مستدامة، ذلك أن الصراعات وعدم الاستقرار والفوضى تعيق الجهود التنموية، بل وتدمر كل الانجازات التي تم تحقيقها من قبل، وهنا تكمن أهمية تضافر الجهود كافة لتحقيق السلام والأمن الإقليمي والدولي من خلال الحوار والاحترام المتبادل والتعاون بين الدول .
كما أن سيادة القانون وحقوق الإنسان والتنمية والحد من النزاعات والجريمة والعنف وحسن الإدارة هي عناصر رئيسية لرفاه الشعوب، وكذا لتحقيق التنمية المستدامة، مما يستدعي إقامة شراكات إقليمية وعالمية جديدة.
ويناقش المحور الثاني ضمن أشغال المؤتمر “تحقيق التحول الاقتصادي والتكامل الإقليمي والتنمية المشتركة: أهمية السياسات المرتبطة بتعزيز الشراكات الاستراتيجية وتشجيع الاستثمار والتكنولوجيا والبنيات الأساسية وتعزيز القدرات التنافسية”، حيث إن بلدان الجنوب تزخر بالكثير من الموارد الطبيعية والمقدرات المالية الكفيلة بتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة، كما تتميز بتوفرها على قاعدة قوية ومتينة لبناء شراكاتها من أجل الاستفادة من الإمكانيات والموارد الهائلة في هذه البلدان.
وتجسيدا للقناعة الراسخة بأهمية الدور الذي تلعبه التكتلات الإقليمية والجهوية في عالم متنامي التحولات والتغيرات فإن تعزيز التعاون جنوب-جنوب يكتسي أهمية متعاظمة في تحقيق التحول الاقتصادي والتنمية الاقتصادية المنشودة.
كما أن رهانات نمو وازدهار الاقتصاد في بلدان إفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية في ظل التحديات الصعبة، مرتبطة بشكل رئيسي بتعزيز التعاون والتضامن والشراكات الاستراتيجية، ضمن اقتصاد متعدد الأطراف يتسم بالمرونة والانفتاح والاستدامة، فضلا عن وجود سياسات وحوافز مرتبطة بتعزيز هذه الشراكات لخلق المزيد من الفرص الاستثمارية، مع ضرورة التعاون بين مختلف الأطراف لإزالة العقبات التي تعترض سياسات الاقتصاد وتدفقات التجارة والاستثمار، والسعي إلى تسهيل حركة نقل المنتجات والتقنيات والخدمات ورؤوس الأموال والمواهب والمهارات، بالإضافة إلى اعتماد التكنولوجيا والابتكار والتحول الرقمي ومن ثم إرساء دعائم قوية الأساس لمستقبل اقتصادي أكثر تطورا واستدامة.
ويهدف هذا المحور إلى تسليط الضوء على أهمية الشراكات التجارية والاقتصادية لتحقيق التحول الاقتصادي والتكامل الإقليمي والتنمية المشتركة بين بلدان الجنوب، وإطلاع المشاركين على الإمكانيات والفرص المتاحة للاستثمار والتنمية في إفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية، وإبراز أهمية خلق البيئات المناسبة للتجارة والاستثمار ووجود أطر تنظيمية وسياسات محفزة لتعزيز هذه الشراكات الاستراتيجية وتعمل على جذب الاستثمارات وتتبنى التكنولوجيا الحديثة وتعزيز القدرات التنافسية.
أما المحور الثالث فيتناول “ثلاثية التنمية المستدامة – الطاقة – البيئة”، من خلال رصد العلاقة بين التنمية المستدامة والطاقة والبيئة وزيادة الوعي بضرورة ترشيد استهلاك مصادر الطاقة التقليدية، فضلا عن إبراز دور الطاقة المتجددة وأهميتها في تحقيق التنمية المستدامة دون الإضرار بالبيئة وأهمية تعزيز وتشجيع الاستثمارات في مجالات الطاقة البديلة والمتجددة والتكنولوجيا الحديثة في دول إفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية، وإيجاد سبل واستراتيجيات قوية للتحول إلى اقتصاديات الطاقة المتجددة وإبراز حجم المخاطر البيئية التي تواجه البشرية.
كما سيسلط هذا المحور الضوء على الفرص الاقتصادية التي يمكن أن تستمدها دول إفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية من التحولات الناشئة في مجالات التحول الرقمي والانتقال إلى نظم الطاقة المتجددة والحلول المبتكرة للحفاظ على البيئة، وكذا على حوافز السياسات الكفيلة بالمساعدة في تعزيز استثمارات القطاع الخاص في دول إفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية في البنى التحتية للطاقة الخضراء، وتحسين النجاعة الطاقية.
والأكيد أن هذا المحفل البرلماني سيشكل لحظة رفيعة للنقاش واستكشاف سبل العمل والحوار والتعاون جنوب-جنوب، باعتباره بعدا محوريا في الرؤية التنميوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وإبداع صيغ جديدة للشراكة بين التكتلات الجيوسياسية في العالم العربي وإفريقيا ومنطقة أمريكا اللاتينية، وفق منظور استراتيجي تنموي، تشاركي، تكاملي وتضامني.