بقلم : الدكتور عبد الله بوصوف
لم تعد اليقظة الأمنية أو الجاهزية و غيرها من الخصائص التي يتمتع بها الجهاز الأمني المغربي بكل مستوياته… موضوعا إخباريا أو مادة لسبق صحفي..بل ان ذات الجهاز و ما عُرف عن مسؤوليه من حنكة و رؤية استباقية سواء تعلق الأمر بالجانب البشري أو اللوجيستيكي..هو ما دفع بأقوى الاجهزة الأمنية العالمية لعقد شراكات تعاون و تنسيق مع الجهاز المغربي من أجل محاربة الجريمة العابرة للقارات و الار هاب الدولي…
لذلك فالعمل النوعي الذي قامت به قوات ” البسيج ” يوم 25 يناير من سنة 2025 لإجهاض أحلام إرهابية بمنطقة حد السوالم أو ما عُرف ” بخلية الاشقاء “..لم يكن الهدف منه هو استعراض العظلات ..بل إن العملية التواصلية التي رافقت العمليةالأمنية بدءا من نشر وقائع التدخل النوعي الى عقد مؤتمر صحفي من أجل تقديم تفاصيل العملية للرأي العام المغربي، أشرت على مستوى عالي في التواصل من أجل ضمان حق المواطن في الأمن..
لذلك فنشر وقائع حد السوالم فيه الكثير من رسائل الاطمئنان و السكينة و أن للمغرب عيون ساهرة على أمنه…
و لأن رب ضارة نافعة، فإن حادثة “خلية الاشقاء ” تحمل رسائل مفادها أن صيانة حق المواطن في الأمن هو مسؤولية الجميع و ليس الفاعل الأمني وحده الذي يحتاج الى خدمات الفاعل السياسي و الحزبي و الاعلامي و المثقفين و القوى الحية للوطن…
و نعتقد من جهة اخرى ، أن مسرحية ” موت تاجر متجول ” للعملاق الامريكي آرثر ميلير سنة 1949 و اسلوبها الواقعي / السيكولوجي تصلح ان تكون موضوع اسقاط لحالات اليأس و العدمية المتجولة في اكثر من مجال حيث كثر تجار الدين و السياسة و بائعي الوهم و صانعي الكراهية و الخوف…و هم يقفون على قدم المساواة مع السيد ” لو مان ” بطل المسرحية الذي يحمل اسمه ” لومان ” معاني الرجل الوضيع و الرخيص بامكانيات محدودة و قدرات خجولة لكنه يجيد الاختباء و راء وهم الشعور بالعظمة و النجاح و يسعى الى تحقيق الحلم الاميريكي أي الشهرة و الثروة…
” فتجار الوهم / الموت ” يمتهنون أو ينتحلون وضائف تضفي عليهم سحر خاص كما انهم يعيشون حياة مترفة..تكسبهم بعض المصداقية أو بعض الوجاهة الاجتماعية من طرف الطبقات المستهدفة و الغاضبين و المهمشين و من يمثلهم و يشببهم في مسرحية ” موت تاجر متجول ” أي أبناء لومان و زوجته..
وفي المقابل هناك الفاعل الديني بكل تمثلاته الوظيفية و ” نفوذه الادبي ” و الذي لا يجب أن نرى فيه السيد ” لومان ” الباحث فقط عن الثروة و الشهرة مستعملا كل أدوات الخداع..لأن الفاعل الديني ليس بتاجر بل هو أرقى بكثير فهو حاضن للهوية و مؤتمن على الدين و على الامن الروحي..كما ان الفاعل الديني لا يجب أن يشبه ” لومان ” في حلوله التراجيدية و المتطرفة و اختياره الانتحار من أجل مبلغ التامين يتركه لابنائه..
فالمفروض على الفاعل الديني نشر ثقافة التعايش و التسامح و أن يكون السقف الآمن و ينشر ثقافة الأمل في غد أفضل..وهنا نكون أمام معادلة صعبة أحد طرفيها ، فاعل ديني محصن بتكوين علمي عال و يجيد لغة الاعلام و الحوار و قبول اختلاف الاخر و العيش المشترك… و طرف ثاني ( السيد لومان ) الذي يجيد لغة الخداع و بيع الوهم و قدرات علمية محدودة و له استعداد لإعتناق حلول راديكالية بما فيها الموت و قتل النفس و التشجيع عليه…
لكن صرخة الزوجة ليندا ” تحررنا ” على قبر زوجها ” لومان ” هي بمثابة رصاصة الرحمة على القيم المزيفة و الافكار التحريضية التي كان يحملها زوجها ” لومان “.. و يجب ان تكون كذلك صرخة للتحرر من ايديولوجيات سياسية متطرفة و خلفيات دينية دخيلة على البيئة الثقافية المغربية من حيث شرعيتها التاريخية و اعتدالها و تسامحها…
إننا اليوم في حاجة الى الرفع من منسوب الأمل في غد أفضل ، بدل عدمية متجولة بكل حرية في مختلف شبكات التواصل الاجتماعي و منصات صناعة الكراهية و الخوف العابرة للقارات..و مادام تجار الموت قد كشفوا عن وجوههم في ” محطة ” حد السوالم…فهذا يعني إعلان عن بداية نهاية محور الكراهية أمام محور الأمل…
فهل يجب التذكير مرة اخرى بالعديد من خطابات الملك محمد السادس بخصوص الابتعاد من خطابات التيئيس و العدمية و الممارسات التضليلية البالية…؟ هل يجب إعادة التذكير بدعوة أمير المؤمنين الى الوسطية و الاعتدال و التسامح..؟ و هل يجب التذكير بخطاب القيم الانسانية و الجدية في بناء وطن يتسع لجميع ابنائه و يحتضن كل فرقائه تحت سقف الله الوطن الملك…