الدكتور عبد الله بوصوف

كان واضحا أن الخروج الاعلامي لوزير الخارجية الجزائري الجديد ” أحمد عطاف ” يوم 28 دجنبر 2023 مدروسا في أدق تفاصيله و مقاساته ، وحتى في اختيارات منصة ” أثــير ” القطرية و مذيعة جزائرية تعودت على الشرب من حنفية سونطراك الوطنية…
فـالرسائل لم تكن مشفــرة بالقــدر التعجيزي ، و الرغبة في ختم مواسم الإخفاقات الديبلوماسية الجزائرية كانت واضحة..حيث كُــلٍـف الوزير ” عطاف ” بقراءة ” مانيفيستو ” جديد للنظام العسكري الجزائري…و الإعلان عن الخروج من عنق الزجاجة…
إن الإنهاك السياسي الداخلي للجزائر كان واضحا من خلال التعديل الوزاري الكبير حوالي 11 حقيبة وزارية في مارس الماضي من أجل تعليق فشل سياسات الدولة الجزائرية على مستوى تحسين معيشة المواطن الجزائري و رفاهيته و صحته و فرص الشغل..على من تحمل مسؤولية تلك الوزارات..في عملية تجميل سياسية في أفق الدخول في انتخابات رئاسية سنة 2024 يحاول الرئيس ” تبــون ” الحصول على تزكية و ثـقة المؤسسة العسكرية…!
فالتعديل الوزاري جاء كمحاولة تمويه عن واقع اجتماعي مزري يعيش فيه 30٪ من الشباب في حالة عطالة…كما أن العطش يهدد الشعب الجزائري..إذ في الوقت الذي كان الشعب ينتظر الحلول كإطلاق مشاريع التحلية..فإن الرئيس ” تبون ” خلق ” شرطة المياه ” و اتهــم الفرد الجزائري بأنه يستهلك من الماء أكثر من الفرد الأوروبي…فالجزائر هي الدولة الثلاثين عالميا التي تعاني من الجفاف ، كما أن أحواضها المائية تصل بالكاد 30% من سعتها..
كما يُــعد هروبًا عن واقع اقتصادي متردي يعرف تضخما و إرتفاعا لأسـعار المواد الأولية خاصة الحبوب ، إذ تعتبـر الجزائر ثالث مستورد لها في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا بعد كل من السعودية و مصر..هذا رغم ارتفاع الطلب و أسعار الغاز الطبيعي في زمن الحرب في أوكرانيا..بإلإضافة الى عجز الجزائر أمام الكلفة الاجتماعية والاقتصادية…وهي الوضعية التي جعلت العديد من المحللين يتوقعون لجوء الحكومة الجزائرية الى خدمات صندوق النقد الدولي و طلب القــروض…
و قــد اعتقد البرلمان الجزائري أنه بالمصادقة على قانون يمنع الجهات الأجنبية من تمويل المؤسسات الإعلامية الجزائرية ، ويمنع الاشخاص المزدوجي الجنسية من تدبير وسائل الإعلام …وأن الكشف عن مصدر الخبر يــكون بقرار قضائي…بالمقابل فقد سهًـل التشريع الجزائري من مسطرة فتح قنوات إعلامية ، كما لم يعد ضروريا موافقة السلطات…وهو القانون الذي صدر مباشرة بعد سجن الصحافي إحسان القاضي و إغلاق مؤسسته الإعلامية Interface Media مع أداءه لغرامة كبيرة جدا…ظـنـا منهم أنه سيحسن من صورة الجزائر الحقوقية و حرية الإعلام أمام مؤسسات البرلمان الأوروبي..
وخلال تدخله في بودكاست ” ذوو الشأن ” يوم الخميس 28 دجنبـر ، فإن الوزير ” عطاف ” لم يتطرق الى هذه الوضعية التي تشوه صورة الجزائر بالخارج و التي كُلــف بتجميلها…
لكنه بالمقابل حرص على إعادة إنتاج ” السرديات ” الكلاسيكية الجزائرية بخصوص قضية الجوار و الصحراء المغربية.. إذ لوحظ إصراره بعدم تفويت الفرصة بتوظيفه لـمصطلحات ومغالطات تاريخية وواقعية في ملف الصحراء المغربية و استعمل مصطلحات سياسية تنتمي الى جيل ” سارقي ” الثورة الجزائرية من قبيل ( الصحراوي المحتل و انعدام الارادة السياسية و عدم قبول اليد الممدودة في زمن زلزال الحوز و أن مبادر الحكم الذاتي لم تلقى الاهتمام الدولي الكافي و تغيير اسبانيا لموقفها المؤيد للحكم الذاتي في الصحراء المغربية….مع انتقاده لجولات الملك محمد السادس لدول إفريقيا وإثارة اللجنة الرابعة… )
وهي سرديات ضد المقاربة الواقعية والتاريخية لملف الصحراء المغربية و ضد مقررات مجلس الأمن الدولي المكلف حصريا للنظر في هذا الملف…لذلك فإن الجزائر وهي تحضر نفسها للجلوس في المقعد غير الدائم في مجلس الأمن الدولي إبتداءً من فاتح يناير 2024 ولمدة عامين..فانها قامت باعادة ترتيب بعض أوراق سياستها الخارجية المبنية أساسا على النيل من المغرب و سمعة المغرب…هذا مع اعتراف الوزير ” عطاف ” نفسه أثناء حلوله ضيفا على مواطنته ” خديجة بن قنة ” بتفوق المغرب دبلوماسيا و بالمنجزات و الاستثمارات على أرض الصحراء المغربية و بأن اعتراف إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي كان زلزالًا قويا داخل النظام العسكري الجزائري…وكأنه كان يقوم بجرد خسائر الصراع في عهد زملائه السابقين في الخارجية..و يعــد بجولة جديدة و قـوية و من داخل مراكز صناعة القرار الأممي أي مجلس الأمن الدولي..
وهنا نرصد إشارة شاردة الى رغبة العضو الجديد في تنشيط حوار تجديد هياكل مجلس الأمن الدولي خاصة في موضوع العضوية الدائمة و الفيتو..و إذا علمنا أنه ليس بموضوع جديد وان الكواليس تحدثت سابقا عن ترشيحات افريقية لعضوية دائمة خاصة مصر و جنوب إفريقيا…فإن تلك الاشارة لم تكن مجانية ، بل هي اشارة الى تماسك التحالف الجزائري/ الجنوب الإفريقي في موضوع العداء للمغرب…( وهو العنصر الثابت)…
بطبيعة الحال فعندما نحصي خسائرنا وأمام الملأ ، فهذا يعني أن هناك خطة بديلة بدأت بتاريخ التعديل الوزاري في مارس الماضي بإعفاء لعمامرة بعد أربعة سنوات قضاها في الخارجية و إرجاع الوزير السابق ” أحمد عطاف ” ، و توقيع ” تبون ” مرسوم رئاسي لتعيين ” عمار بن جامع ” سفيرا للجزائر و ممثلًا دائما لدى هيئة الأمم المتحدة مكان ” نذير العرباوي ” الذي عينه مدير ديوان الرئاسة الجزائرية…، بالإضافة إلى تعيين ” عبد العزيز خلاف ” مستشار الرئيس ” تبــون ” و هو الخبير والإطار المالي و البنكي بافريقيا و الدول العربية..
لكــن التعديل الوزاري الغير الدستوري بتعيين ” نذير الغرباوي ” كرئيس للحكومة مكان ” أيمن بن عبد الرحمان ” في شهر نوفمبر 2023..كان يستحق أكثر من وقفة في برنامج ” ذوو الشأن ” على منصة أثـيـر القطرية…كما تم تعيين ” رشيد حشيشي ” رئيسا جديدًا لشركة النفط والغاز ” سونطراك” خلفا لتوفيق حكار…و بهذا تكتمل كتيبة السياسة الخارجية الجزائرية الجديدة…استعدادا لأشغال مجلس الأمن الدولي…
و لأن النظام يشد بالنواجد على فرصة التوظيف الجيد لمقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي.. فقد أجبــر الجزائر على تقديم وجوه جديدة (وهو عنصر المتغيـر..) و تغيير وجوه معروفة في ممرات الأمم المتحدة بالكذب و اصطياد الأصوات و التي خسرت كل سجالاتها مع السفير المغربي ” عمر هلال ” كالسفير ” نذير العرباوي “..لذلك فبقاؤه بنيويورك لا يخدم معقد غير دائم بمجلس الأمن لفقدانه لعناصر المصداقية و الواقعية…
لذلك فلن يثــق أي أحدٍ بتصريحات “عطاف” عند حديثه عن مكالمته لزميله المغربي الذي لم يرد عليه..خاصة وأنه قام عن قصـد ببترها عن سياقها، أي أن القرار السيادي المغربي اتُـخِـد بعد دراسة احتياجاته في زمن زلزال الحوز.. و اكتفى بقبول أربعة دول فقط وهي قطر و الامارات و اسبانيا و بريطانيا…و لم يُـجِبْ على عروض دولية عديدة كــفرنسا مثلا..و بالتالي فلا مجال لإعادة إنتاج الخطاب المغربي المتعلق باليــد الممدودة منذ سنوات…
كما لن يثــق أي أحدٍ بحديثه عن إعادة بناء المغرب العربي في الوقت الذي امتنعت الجزائر عن أداء مستحقات العضوية منذ سنة 2016 و انسحبت من أغلب اللجان و الهياكل…لأن البناء يتطلب أفعالا و ليس أقــوالا تلوث ” أثــير ” المستمعين و المشاهدين…
لكنــه تصريح يكشف عن حقائق أخـرى أكثر خطورة… و منها رغبة النظام الجزائري في الخروج من حالة العزلة الدولية…فــقد قطع بشكل أحادي علاقته مع المغرب ، وتعيش كل من تونس و ليبيا في حالات صعبة من الناحية الاقتصادية والأمنية والسياسية…كما تعرف دول الساحل جنوبا حالات متعددة من الانقلابات العسكرية و الإنفلات الأمني..
هـــذا في الوقت الذي تقــدم المغرب في خطاب المسيرة في شهر نوفمبر 2023 ، بمبادرة دولية لمؤسسة جديدة تجمع 23 دولة افريقية أطلسية و مبادرة دولية ثانية تتيح لدول الساحل الولوج للمحيط الأطلسي بعد الإشتغال على عناصر البنيات التحتية…
وهو الأمر الذي جعل النظام الجزائري في الزاوية الضيقة و بمساحات ضعيفة للمناورة…اضطر معها إلى تبني صياغة جديدة ” لـ خطاب عاطفي ” لمنظمة المغرب العربي…و التصريح بإيجابية وأهمية العمل المغاربي …و أما قوله بأن بلاده هي الأكثر ميولًا إلى الإسراع في إيجاد حل للأزمة..فإنها بدعة سياسية جديدة تنضاف إلى قاموس عقيدتهم العدائية و أدبيات السرد المخالف للحقائق التاريخية والواقعية…لأن العالَـــم شاهــد على عدد الخطابات الملكية الخاصة باليـد الممدودة و دعوات المصالحة مع الأشقاء في الجزائر منذ سنـة 2008…
كما أن العالَــم يعرف أن الجزائر هي التي تأوي خيام الانفصاليين و تشتري أصوات تأييد اطروحة البوليساريو…فهي إذن طرفا في النزاع و ليست وسيطا لحل النزاع…
لذلك فخير جواب.. هو تذكير الوزير ” عطاف ” بإجماع الأمة المغربية و بموقفها الـثابت من ملف الصحراء المغربية ، وأن المغرب لم ولن يُفـاوض على صحراءه التي حررها بالمسيرة الخضراء سنة 1975…و على الوزير استغلال مقعده الغير الدائم بمجلس الأمن الدولي في نشر السلم و السلام بين الشعوب وليس في إذكــاء الحرب و الشرور…و في كل ملفات أصدقاء النظام العسكري الجزائري خاصةً فـي فينزويلا / ايسكويبا ، و الصين / الطايوان ، و روسيا / اوكرانيا ، و جنوب افريقيا / منطقة أورانيا ، و ملفات القبايل في شمال الجزائر و الطوارق في جنوبها وغيرها من الملفات الساخنة…
من كتاب ” الجزائر …العقدة و العقيدة..”