الأستاذ إدريس رحاوي
تعد الجغرافية الثقافية لمغاربة العالم ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد، تعكس تجاذب الهويات بين موروثهم الثقافي المغربي وبين تأثيرات المجتمعات التي يعيشون فيها. هذه الجغرافية ليست ثابتة بل تتغير باستمرار نتيجة لعوامل مختلفة، منها التحولات العالمية السريعة والاحتكاك الثقافي الذي يعيشه المغاربة المقيمون في الخارج.
في ظل هذه التجاذبات، يبرز سؤال مهم حول ما إذا كانت الميزانيات الكبيرة المرصودة للعروض الثقافية لمغاربة العالم، والتي تصل إلى 531 مليون درهم، تحقق فعلاً الأهداف المرجوة. هل تُستثمر هذه الأموال بشكل كافٍ في حماية وتعزيز الهوية الثقافية المغربية في الخارج، أم أننا أمام محاولات شكلية لا تصل إلى جوهر التحديات التي يواجهها الشباب المغربي المهاجر؟
لا شك أن التحديات العالمية اليوم أكثر تأثيراً على شبابنا المقيم في الخارج، حيث يعيشون في خضم موجة من التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تتطلب استجابة سريعة ومرنة. ومع ذلك، يبدو أن بعض المسؤولين في المغرب الذين يضطلعون بإدارة ملفات الجالية يعتمدون على أساليب تقليدية، تفتقر إلى الإدراك الكامل للتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم.
إحدى المشكلات الأساسية التي تواجه السياسات الثقافية الموجهة لمغاربة العالم هي العقلية الإدارية التي تعمل “عن بعد”، بمعنى أن القضايا تُعالج من مكاتب مكيفة، بعيداً عن التفاعل الحقيقي والميداني مع المجتمع المغربي في المهجر. هذا الفصل بين المسؤولين والمغاربة في الخارج يخلق فجوة ثقافية وإدارية كبيرة، تعرقل تحقيق الأهداف المنشودة.
فالاعتماد على نماذج تقليدية في التخطيط والعمل لا يتماشى مع طبيعة العصر الرقمي والتحولات الاجتماعية التي تحتاج إلى رؤية جديدة وشاملة. المسؤولون الذين عَمَّروا في مؤسسات تهتم بشؤون المغاربة المقيمين في الخارج قد لا يدركون تماماً هذا التغير الجذري في الجغرافية الثقافية، وبالتالي يعتمدون على حلول قديمة لمشكلات جديدة، مما يؤدي إلى نتائج غير مرضية بل فاشلة في مهدها
الحقيقة أن الثقافة المغربية في المهجر تواجه تحديات كبرى، تتجاوز مجرد دعم العروض الثقافية. هذه التحديات تشمل الحفاظ على الهوية المغربية في ظل الانفتاح على ثقافات أخرى، ودعم الإبداع المغربي في المهجر، وربط الشباب المغربي بجذورهم الثقافية بشكل أكثر فعالية. إذا أردنا أن نصل إلى سير سليم في هذا الملف، علينا أن نتجاوز معادلة “حجب الشمس بالغربال”، وندرك أن التحولات العالمية أكبر وأسرع من أن تُدار بعقلية تقليدية.
التحديات التي تواجه الجغرافية الثقافية لمغاربة العالم تتطلب تحولاً جذرياً في السياسات والممارسات. يجب أن يتواكب التخطيط الثقافي مع التغيرات التي يشهدها العالم، وأن يتم التعامل مع الهوية الثقافية للمغاربة في الخارج كمسألة ديناميكية تتطلب حلولاً مبتكرة وشاملة، بعيداً عن الحلول السطحية التي تُدار من مكاتب لا تلامس الواقع الفعلي وتكرس فشل تدبير ملف يحتاج العمل بجدية لان القادم معادلاته معقدة وفك شفرتها أعقد .