أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ضرورة تفعيل الآليات المؤسساتية المناط بها تنظيم مراقبة منظومة تسويق السلع والخدمات، ومحاربة جميع أشكال الاحتكار والمضاربة وغيرها من الممارسات المنافية للقانون، وإعمال آليات مناهضة الإفلات من العقاب.
ودعا المجلس في تقريره السنوي حول “حالة حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2022″، إلى الإسراع بإخراج النصوص التنظيمية التي ستمكن مجلس المنافسة من الاضطلاع بمهامه في هذا المجال، مشيرا إلى أن مواجهة الآثار السلبية للتضخم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ينبغي أن تعتمد مقاربة خاصة.
وفي هذا الإطار، أوضح المجلس أن هذه المقاربة يجب أن تزاوج بين الإجراءات والتدابير الآنية المستعجلة التي تروم إعادة التوازن إلى أسعار المواد الأساسية والخدمات الحيوية للمواطنين من جهة، والتدابير الاستباقية التي تستهدف التأثير في العوامل المؤدية إلى التضخم من جهة ثانية.
وذكر المجلس أنه سبق أن أشار في تقريريه السابقين برسم سنتي 2020 و 2021 إلى أن تداعيات الجائحة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد لا تقتصر على الآثار السلبية المباشرة الناجمة عن الإغلاق الشامل للاقتصاد الوطني خلال فترة الحجر الصحي، بل من المرجح أن تكون لها آثار سلبية على قدرة المواطنات والمواطنين على الولوج لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية على المديين المتوسط والبعيد.
وسجل المجلس أنه بالإضافة إلى الارتفاع المسجل على مستوى أسعار المواد المحلية، فقد ساهمت أسعار المواد المستوردة في رفع معدل التضخم بحوالي 79.9 في المائة ، وذلك بسبب تظافر مجموعة من العوامل الخارجية والداخلية.
فعلى مستوى العوامل الخارجية، أوضح المجلس أن النزاع الأوكراني – الروسي أدت إلى تقلبات كبيرة في أسعار المواد الطاقية والزراعية، معتبرا أنه بالرغم من أن الحكومة تمكنت من ضمان استمرار تزويد السوق الوطنية بالمواد النفطية، فإنها “لم تتمكن مع ذلك من التحكم في أسعارها التي ارتفعت بشكل كبير”.
وبالإضافة إلى ذلك، يضيف التقرير، فقد تأثرت منظومة الأسعار بالمغرب سنة 2022 باستمرار الارتباك على مستوى سلاسل التوريد العالمية، وما نتج عنه من ارتفاع غير مسبوق في كلفة نقل السلع على المستوى العالمي، مشددا على أنه بالنظر إلى أن الاقتصاد الوطني شديد الاندماج في الاقتصاد العالمي ومنفتح بشكل كبير على التجارة الدولية، استيرادا وتصديرا، فإنه يبقى معرضا للتقلبات الجيواقتصادية الدولية بشكل كبير.
أما فيما يتعلق بالعوامل الداخلية، يتابع التقرير، فإن سنة 2022 لم تكن سنة جافة فحسب، بل تميزت كذلك بظهور الأثر التراكمي لسنوات الجفاف المتعاقب تجلى ذلك بالأساس في التراجع الكبير في المواد المائية بكل أصنافها، وهو “ما أثر بشكل كبير على القطاع الفلاحي، سواء فيما يتعلق بتراجع قدرته على التشغيل أو من خلال مساهمته في ارتفاع نسبة التضخم بسبب غلاء أسعار المواد الغذائية ذات الأصل الزراعي المحلي”.
واستطرد المجلس في تقريره أنه بصرف النظر عن طبيعة العوامل التي أدت إليها، فإن موجة التضخم التي عرفتها سنة 2022 كان لها تأثير كبير على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة من المواطنات والمواطنين، وخاصة الفئات الفقيرة والهشة التي لاتزال لم تتعافى بعد من آثار جائحة كوفيد 19 .
واعتبر المجلس أنه يمكن رصد الآثار السلبية للتضخم على المستوى المعيشي للمغاربة من خلال بعض المؤشرات الدالة، من قبيل مؤشر القدرة على الادخار الذي تراجع بشكل كبير خلال سنة 2022، إذ تراجعت نسبة القادرين على الادخار إلى 32 في المائة ، أي أن أكثر من ثلثي المغاربة كانوا عاجزين عن الادخار في هذه الظرفية.
ولفت إلى أن قراءة تطورات العوامل الداخلية والخارجية للتضخم تبين أن الموجة الحالية قد لا تنتهي في الأمد القريب، ومن المحتمل أن تتحول إلى معطى هيكلي في الاقتصاد العالمي، مؤكدا أنه انسجاما مع التوجهات الاستراتيجية التي سبق أن أكد عليها المجلس في مذكرتيه الموجهتين إلى لجنة النموذج التنموي سنة 2020 وإلى رئيس الحكومة سنة 2021، فإنه يوصي بالاعتماد على الذات عبر توجيه النموذج الفلاحي المعتمد لتحقيق الاكتفاء الذاتي بما يسمح بضمان الأمن الغذائي واستقرار أسعار الغذاء والخدمات الأساسية.
كما يرى المجلس أن الوعي بالتداخل الكبير بين إشكالية التضخم وبين مختلف السياسات الاجتماعية، خاصة التعليم والصحة وضمان خدمات عمومية، سيساهم بشكل كبير في رفع القدرة الشرائية للمواطنين، داعيا إلى استعجال إخراج منظومة الاستهداف إلى حيز الوجود مع العمل على تحيينها بشكل دوري.
و،ا،م،ع