يظهر من المبكّر جدًا، ومن المستبعد جدًا أيضًا، الحديث عن طيّ صفحة اتحاد المغرب العربي، خاصة وأن النوايا المعلنة من الجميع على الأقل لا تزال تؤكد عدم استهدافه من أي مبادرة كانت، وكلّ ذلك رغم تراجع الحماسة لإعادة إحيائه. وهو تراجع قد لا يعود إلّا لواقع القطيعة المتصاعدة بين أكبر بلدين في الاتحاد: الجزائر والمغرب، وغياب أي طرف قادر فعليًا على تنشيط الاتحاد من جديد. في المقابل، يظهر أن ليبيا وموريتانيا على وجه الخصوص لا تزالان متمسّكتين بإطار الاتحاد المغاربي كغطاء للعمل الجماعي.
إذ اختارت نواكشوط بوضوح عدم الانخراط فيما ظهر “مغامرة جزائرية”، وكان تبون قد أوفد وزير خارجيته إليها قبل بضعة أسابيع، ضمن جولة في المنطقة، وسلم لرئيسها رسالة خطية حول “مقترحات تخص تنسيق المواقف”. وكان رئيسا البلدين قبل أسابيع قد أعطيا إشارة انطلاق مشروع طريق بري يربط بينهما.
تونس بانخراطها في المبادرة الجزائرية أكدت مجددًا بُعدها أكثر فأكثر عن دورها التاريخي كوسيط موفّق بين جناحي دول المنطقة، الجزائر والمغرب، وأظهرت خيار قيس سعيّد الرهان على التحالف مع الجارة الغربية على حساب المغرب
وإضافة لذلك، ربما كانت تعوّل الجزائر على الأزمة التي اندلعت بين الرباط ونواكشوط، بداية العام الجاري، إثر زيادة الأخيرة في تكلفة الضريبة الجمركية لشاحنات الخضراوات القادمة من المغرب بزيادة بلغت 171 في المائة، وهو ما أثر على ولوج الصادرات المغربية للسوق الإفريقية. ولكن يظهر، بالنهاية، أن نواكشوط اختارت عدم الانخراط في العرض الجزائري لتنسيق المواقف المغاربية باعتبار ذلك لن يُنظر إليه، مغربيًا، إلا انحيازًا مع الجزائر وضد الرباط، على نحو يخالف الحياد الذي لطالما تؤكده نواكشوط بين البلدين.
تونس سعيّد، في المقابل، بانخراطها في المبادرة الجزائرية ظهر أنها أكدت مجددًا بعدها أكثر فأكثر عن دورها التاريخي كوسيط موفّق بين جناحي دول المنطقة، الجزائر والمغرب، وخيار الرئيس الحالي قيس سعيّد الرهان على التحالف مع الجارة الغربية على حساب المغرب. وكانت قد اندلعت أزمة دبلوماسية مع الرباط إشارتها الأولى كانت رفض تونس التصويت لفائدة تمديد بعثة “مينورسو” في الصحراء الغربية في مجلس الأمن في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهو ما اعتبرته المغرب تبنيًا صريحًا للموقف الجزائري، فيما كان استقبال سعيّد لرئيس جبهة “البوليساريو” في قمة “تيكاد” في أوت/أغسطس 2022، القطرة التي أفاضت الكأس ودفعت الرباط لاستدعاء سفيرها. الحياد الإيجابي، الذي لطالما تبنّته تونس سبيلًا لإدارة علاقاتها مع الجارين في منطقة المغرب العربي، تحوّل إلى انحياز إلى الجار المباشر على الحدود، وهو ما أدى لخسارة تونس قدرتها، راهنًا على الأقل، على لعب أي دور في تقريب وجهات النظر بين الجزائر والمغرب.
ليبيا، في الأثناء، التي تعيش حالة من الانقسام المؤسساتي، لا تزال تتمسّك بالإطار المغاربي، إذ دعا المنفي، خلال استقباله وزير خارجية بلاده قبل أيام، إلى “تفعيل اتحاد المغرب العربي” خاصة وأن ليبيا تترأسه حاليًا. إذ يظهر أن طرابلس وإن كانت معنية بتعزيز التعاون والتنسيق مع جارتها الجزائر خاصة فيما يتعلق بالمسألة الأمنية، فهي غير معنية بالانخراط فيما قد يظهر خروجًا عن الكيان الاتحادي أو مجرّد السعي لذلك خاصة وأن الحكومة في غنى عن استثارة خلافات قد تظهر استراتيجية مع بقية الفرقاء الليبيين. إذ يُستذكر، في هذا الموضع، تصريح وزير خارجية حكومة شرق ليبيا، عبد الهادي الحويّج، بأن “المنطقة لا تحتاج كيانات جديدة”. وربّما ما يفسّر محدودية الحماسة الليبية هو عدم إعلان استقبال طرابلس للاجتماع التشاوري الثاني على خلاف ما كان منتظرًا.
بالنهاية، تبقى التنسيقية الثلاثية، التي ترعاها الجزائر بدرجة أولى، إطارًا ساعيًا لتنسيق المواقف المغاربية بين دول تجمعها مصالح استراتيجية، بيد أنها تبقى لوحدها قاصرة على تحقيق المشروع المغاربي الشامل الذي وضع الأجداد لبنته فيما لا يزال الأحفاد يتصارعون حوله، لتضيع معه أحلام وحدة منتظرة أو على الأقل تكامل اقتصادي موعود.