العدل و الإحسان مستعدة لتقديم المزيد من التنازلات.. !!
قالت مجلة “جون أفريك” في تقريرها الصادر، إن الوثيقة السياسية الجديدة التي قدمتها جماعة “العدل والإحسان” الإسلامية، أدت إلى بروز تكهنات عديدة، من بينها “هل تُخطط الجماعة لإنشاء حزب سياسي؟” و”هل تسعى الجماعة لدخول غمار الانتخابات التشريعية في المغرب لعام 2026؟” فيما يقول خبراء سياسيون إن العدل والإحسان، أخيرًا ارتكنت لما يُسمى بـ”الواقعية السياسية” وذلك من خلال مصطلحات ظلت غائبة عن “قاموس” الجماعة الإسلامية المعارضة.
وأضافت كاتبة التقرير أن الجماعة البارزة في المغرب، قدمت وثيقتها السياسية المكونة من نحو 190 صفحة، ونالت على ما يبدو إعجاب الكثيرين من متتبعي الشأن السياسي في المغرب كما أثارت اهتمام الصحف الأجنبية، خاصة منها الفرنسية، وتضمنت في هذه الوثيقة 777 مقترحًا تتناول جميع مجالات الحياة العامة، من السياسة إلى الاقتصاد، بما في ذلك القضايا الاجتماعية والثقافية.
ونقلت المجلة عن عبد الواحد المتوكل، عضو الدائرة السياسية للجماعة، أن “إخراج هذه الوثيقة ليس وليد الصدفة، بل هي نتاج نقاش داخلي طويل بل إنها كفكرة ومشروع على الورق، موجودة منذ سنوات”.
وفي مقابل ذلك، قالت المجلة، إن نشر هذه الوثيقة بعد اثني عشر عامًا من وفاة مؤسس الحركة ومرشدها الروحي، الشيخ عبد السلام ياسين، يطرح سؤال “لماذا الآن وبعد مرور هذا الوقت؟” فيما يقول قادة الجماعة إنه لم تكن هناك إرادة حقيقية للإصلاح، ولا توجد بيئة ديمقراطية تعددية قادرة على استيعاب الجميع دون استثناء.
ونقلت المجلة عن يوسف بلال، أستاذ العلوم السياسية والباحث في جامعة كولومبيا، في تصريح خاص، قوله إن الجماعة، من خلال الوثيقة السياسية، أظهرت عن “واقعية سياسية” باعتبار، أنها ليسَ لديها خبرة سياسية بالمعنى المؤسسي، إذ أن “مقترحات الإصلاح الإداري والمالي واللامركزية ودور السلطات المنتخبة… تدخل في تقنية الإدارة وإدارة الدولة”.
وتابع قوله، “بل وأكثر من ذلك، الوثيقة المذكورة هي في الواقع برنامج انتخابي، لا يعلن عن نفسه، بعبارة أخرى، يضع الأسس لحزب سياسي قادم يمكن أن يرشح نفسه للانتخابات”.
وتساءل الأستاذ الباحث: “هل ستكون “العدل والإحسان” جاهزة للانتخابات التشريعية لعام 2026؟ لا شيء مؤكد.، لكن “الوثيقة السياسية تشير إلى أنهم مستعدون للذهاب بعيدًا في تقديم تنازلات عن المواقف السابقة لكي يتمكنوا من إنشاء هيكل قانوني يسمح لهم بالعمل في وضح النهار”.
وقالت مجلة “جون أفريك”: إن الجماعة التي يعد عدد منخرطيها نحو 200 ألف عضو، حسب تقدير المجلة، “كانت تطالب، حتى الآن، بعدم المشاركة في اللعبة السياسية، علاوة على ذلك، فإن المشاركة فيها تعني قبول قواعدها، ومعها وضع أمير المؤمنين، لكن تغيير المسار الأن يتعارض مع الرسالة الشهيرة “الإسلام أو الطوفان” التي وجهها الشيخ ياسين إلى الملك الحسن الثاني عام 1974
أنداك كان الراحل الحسن الثاني قد خرج لتوّه من تجربتين انقلابيتين كادتا تُطيحان به وبحكمه، لكن عبد السلام ياسين، صدم الجميع حينما خاطبه: “وإنك يا هذا أكلتَ وحاشيتكَ وأقاربكَ أموال المسلمين بغير حق، وهتكتَ حُرمات الله وغششتنا بدعواك، وتألهتَ واستعبدتَ الناس. فبأي صحيفة تلقى ربك يوم حسابك؟”.
كان ذلك في فترة كانت فيها الجماعة تتبنى مفهوم “القومة” (الانتفاضة الإسلامية) بدلاً من الثورة العنيفة، من خلال اعتماد استراتيجية الصبر وكسب الأرض تدريجيًا، والتوحد مع الفاعلين السياسيين الآخرين، في انتظار “الموجة الكبيرة” أي انتفاضة شعبية لا يمكن لأي شيء إيقافها وتؤدي إلى مجتمع إسلامي بشكل أساسي.
لكن تلك الرسالة ستؤدي إلى سجن مؤلفها لعدة سنوات، منها ثلاث سنوات في مستشفى للأمراض النفسية، ومنذ وفاة عبد السلام ياسين عام 2012، بدأ بعض عناصر “الدائرة” السياسية في الجماعة يتبنون عناصر من الاستراتيجية السياسية المؤسسية، وبالتوازي، ركزت الدائرة الدينية، التي ابتعدوا عنها، على الوعظ والتعليم الديني، فيما كان الجناحان موحدين في السابق تحت شيخ الجماعة عبد السلام ياسين.
وبخصوص توقيت نشر الوثيقة السياسية، قالت المجلة، إن اختيار التوقيت لم يكن بالأمر الهين. واستشهدت بقول يوسف بلال الذي قال: “لم يكن ذلك ممكنا عندما كان بنكيران على رأس الحكومة واحتل الفضاء بشكل كاريزمي وإعلامي”. مضيفا: “إن التعبئة الاحتجاجية ليست كافية على الإطلاق، ولا يمكن ترجمتها إلى تغيير سياسي أو القدرة على الجذب. لقد وصلت الحركة إلى أقصى درجات قدرتها على تعبئة الجمهور، ولذلك، يجب عليها أن تنتقل إلى مرحلة أعلى، وأن تغير استراتيجيتها السياسية، أو على الأقل أن تعدلها للعمل داخل المؤسسات”.
لكن المجلة تنبه إلى كون “انسجام الجماعة مع نفسها ومبادئها كان دائمًا مرادفًا لمصداقيتها أمام الجمهور، وفي حالة أرادت تغيير مبادئها، وتقديم المزيد من التنازلات للسلطة، قد تخسر دعم المتعاطفين معها. وهو ما سيشكل نجاحا لا يمكن إنكاره للنظام الملكي المغربي، الذي سينجح في ابتلاع كافة فاعلي الحركة الإسلامية”.
أما يوسف بلال، قال بهذا الخصوص للمجلة “لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، هناك توازن لا يزال يسمح لنا بالحفاظ على شعبية الجماعة، مع إرسال رسائل إيجابية إلى الجهات السياسية الفاعلة الأخرى”، لأن نشر هذه الوثيقة السياسية يشكل أيضاً فرصة للجمالأألأ[لأعة “لطمأنة حلفائها من يسار الطيف السياسي. ولا سيما من خلال توضيح بعض مواقف التنظيم الإسلامي بشأن المواضيع المتعلقة، على سبيل المثال، بالحريات الفردية”.