الصحافي حسن شاكر
إعلان اللجنة الوزارية التاسعة لمغاربة العالم يوم 30 غشت الماضي عن التزامها بإخراج قانون جديد لمجلس الجالية ،هو نتيجة للرجة العنيفة التي خلقها خطاب ثورة الملك و الشعب لسنة 2022 داخل كل من الحكومة و مؤسسات الهجرة ، وطرحه ” لكشف حساب ” واقعي يساءل السياسات العمومية التي لا تراعي خصوصيات الجاليات المغربية بالخارج…وهو ما فتح نقاشا داخل صفوف الجاليات المغربية بالمهجر، يذكرنا بزمن ما بعد خطاب نوفمبر 2006.. وما تلاه من نقاشات و ندوات و تسريبات للوائح كان هدفها التمويه فقط …
لكن بوجود فوارق عديدة ميزت الفترتين تأثرت بتغييرات في المواقف بناءً على الأحداث و النتائج…أولها انه في زمن 2006 لم تكن هذه الطفرة الرقمية الحالية و الإعلام الرقمي و توفر المعلومة بسهولة و يُسر كبيرين ،أضف زيادة نوعية مهمة في عدد الفاعلين وهو ما يعني جيل جديد من الفاعلين في مواجهة ” الحرس القديم ” من الفعاليات..الذي حاول استمالتهم أولا ثم شيطنة المعارضين منهم ثانيًا..
و الواقع أن هناك إجماع قوي على اعتبار مجلس الجالية هو مكتسب دستوري للجاليات نظير تضحيات الجيل الأول..و الذي تم تأسيسه في دجنبر من سنة 2007 وفق عقلية مختلفة و حسابات مختلفة تماما عما تعيشه الجاليات اليوم من ارتفاع عدد الكفاءات و من تأنيث ملحوظ في صفوف الجاليات و من ارتفاع نسبة الشباب…وهو ما يجب اخده بعين الاعتبار في كل المشاورات عند إشراك نخب الجاليات في مسلسل إعادة ترتيب المؤسسات المكلفة بقضايا مغاربة العالم في زمن ما بعد خطاب ثورة الملك و الشعب الأخير …
لكن قبل البدئ في هذه المشاورات فلابد من تشخيص بعض تراكمات مرحلة ما قبل تأسيس المجلس سنة 2007 لتفادي إعادة انتاج أخطاء تلك المرحلة التي أطلق عليها أحد اللاعبين الكبار في تشكيل المجلس آنذاك ” بمجلس 3 د ” ، و هنا لا نقصد به ” ثلاثي الأبعاد 3D ” طبعا.. وهي تشكيلة عرفت سيطرت مكونات ذات مشروع ثقافي فرانكفوني تحمل أفكارا علمانية و تعتنق أيديولوجية يسارية…في مواجهة مكونات تحمل أفكارا دينية وإسلام وسطي و أيضا ممثلي عن اليهود المغاربة…وهو الصراع الذي امتد الى خارج مقر المجلس عبر “بيادق ” المشروع الثقافي الفرنكوفوني والعلماني ( خاصة بفرنسا و بلجيكا و هولندا…) والذين ارتفع سُعَارهم بعد إغلاق حنفيات الدعم الحاتمي لتمويل برامج وهمية مع فنادق مصنفة و تذاكر من درجة رجال أعمال…
لذلك فبمجرد اعلان الخطاب الملكي باعادة النظر في الاطار التشريعي والمؤسسي لكل مؤسسات الهجرة.. فـقـد سارع أصحاب المشروع الفرانكوفي والعلماني سواء داخل المجلس أو عبر “بيادق” في صفوف مغاربة العالم..الى التهليل بالالتزام الحكومي و بإخراج القانون في أسرع الآجال ، و بالموازاة تم تسخير بعض المواقع و أيضا بعض فعاليات ” الحرس القديم ” بالعمل على تشويه صورة المُكون الآخر و خاصة الديني الوسطي بدرجة أقوى و اليهود المغاربة بدرجة أقل..فعمليات الشيطنة و التشويه و التشهير كانت بدون حدود أخلاقية واستباحت الحياة الشخصية لبعض الخصوم سواء داخل المجلس أو خارجه ، إذ يعتبر التيار الفرانكوفوني / العلماني أن كل معارض لافكارهم و مشروعهم بمثابة هدف يجب تدميره رمزيًا من خلال حملات التنمر و الهمز و اللمز…
الصراع الغير المعلن نُـقل أيضا الى المواقع الإعلامية حيث تهتم الفرانكوفونية منها، باستضافتهم و باستجوابهم قصد تحسين صورتهم رغم بشاعتها..في حين يستضيف الاعلام الغير الناطق بالفرنسية المكون الآخر أي تيار تمغرابيت في محاولة منه لخلق توازن بين التياريْـن..الطامة الكبرى هي دفاع مسؤول رفيع المستوى في مجلس الجالية عن المشروع الفرانكوفوني وربطه بأزمة التأشيرات الفرنسية أثناء مشاركته في برنامج حواري ناطق بالفرنسية…اذ كان عليه ان ينتصر لحق التنقل كحق كوني مادام يقدم بنفسه بالحقوقي…
أكثر من هذا ، فان أصحاب المشروع الفرانكوفوني/ العلماني يشيعون بين مريديهم من مغاربة العالم ، ان المسؤولين الكبار بالرباط يقرؤون فقط ما يُـكتب بالفرنسية و يـستمعون فقط للبرامج الفرانكوفونية..مع ان الجميع يعلم بانها مجرد مناورة فقط من أجل الظهور بمظهر القوي الواثق من نفسه..
لذلك فاننا نرى ان الصراع حول مجلس الجالية أو العضوية فيه هي غيرها في باقي مجالس الحكامة الجيدة الأخرى…اذ سيدلي مجلس الجالية بآرائه في قضايا مصيرية تهم الاسرة و الهوية و التعليم و التاطير الديني و التربوي..لمغاربة يقيمون في دول مختلفة ومتنوعة دينيا و ثقافيًا…لذلك طرح جلالة الملك سؤالا محوريا حول ملائمة السياسات العمومية لخصوصيات الجاليات المغربية بالمهجر…
ومن هنا ، فاننا نعتقد أن بث المجلس في قضايا لها علاقة بالدين والهوية المغربية و الاسرة والشباب و المرأة وغيرها ، سيختلف الرأي الاستشاري فيه بين مجلس يُسيطرعليه تيار فرانكوفوني/علماني ، وآخر بتيار ديني إسلامي وسطي يحمل شعار العيش المشترك بدول الإقامة…فكيف سيكون عليه الامر في مجال التأطير الديني والتربوي لأبناء الجاليات في حالة سيطرة تيار الفرانكوفوني/العلماني..؟ وكيف سيكون رد فعل تيار الإسلام الوسطي في بلدان الإقامة..؟
نحن هنا نناقش بصوت مرتفع ، إذ ان الامر ليس بالسهولة التي يتوقعها الفاعل السياسي المغربي الذي يُغيب بقصد او عن غير قصد قضايا مغاربة العالم عن طاولة الحكومة أو العمل البرلماني ، وداوَم على الاشتغال المناسباتي الى حدود الإشادة و التقدير الملكي بمغاربة العالم يوم20 غشت الماضي و الذي وصفهم ” بالفئة العزيزة “…
هذا مع التنبيه ان أغلبية الجاليات المغربية بالمهجر أو ما يعرف ب” الأغلبية الصامتة ” ، لا تتابع هذا السجال القانوني و الدستوري و التدافع الأيديولوجي والمشروع الفرانكوفوني… أولا ، لانها صُدمت في تجارب جمعوية سابقة و في تجار ملفات الجاليات ، و ثانيًا لإغراق الصفحات و المجموعات سواء في “الفايسبوك ” او ” الواتس آب ” بمغالطات قانونية و تفاهات مقصودة من اجل تنفير ” الأغلبية الصامتة ” و ابقاءها بعيدا عن مراقبة تيارات بأجندات مختلفة تسعى للسطو على مجلس سيقرر في ملفات الزواج و الطلاق والنفقة و الارث و التعليم و تربية الأجيال القادمة…لكن هل تلك القرارات ستكون بعيدة او قريبة من وجدان وهوية المهاجر الدينية ومن تمغرابيت ، وهل ستراعي خصوصيات تقاليده وأعرافه…؟.
اعتقد ان ” الأغلبية الصامتة ” من مغاربة العالم تثق في مؤسسة إمارة المؤمنين ، وهي على يقين تام بسهر أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حامي الملة و الدين على الامن الروحي و الديني و التربوي و التماسك الأسري لما يحفظ حقوق كل الاسرة بما فيهم أطفال مغاربة العالم ..
وهنا نـذكر بخطاب أمير المؤمنين محمد السادس و بقوله على رؤوس الأشهـاد ” لا أحل حرامًا و لا أحرم حلال..”..والأكيد ان قوة مؤسسة إمارة المؤمنين هي مبعث ثقـة مغاربة العالم و أغلبيته الصامتة..و أن لجلالة الملك الكلمة الفصل في مجلس أراده هيئة استشارية الى جنابه الشريف في كل قضايا ” الفئة العزيرة ” ، وان أي مجلس قادم لا ينتصر لخصوصيات ” تمغربيت”..هو مجلس هجيــن لا يشبه هوية وثقافة المغاربة الأصيلة و دينهم الوسطي ، ولن يستطيع تقديم آراء متوازنة تحترم خصوصيات كل المغاربة بالمهجر..يجب ان يصل صوت الأغلبية الصامتة من الجاليات المغربية بالخارج الى امير المؤمنين الملك محمد السادس.