بقلم: الصحافي أمين بوشعيب/إيطاليا
في كتابه “أساطير الصهيونية” ذكر جون روز أن “دافيد بن غوريون” كان أحد كبار صناع الأساطير الصهيونية، وأنه كان يؤمن بأن الأسطورة يمكن أن تصبح حقيقة إذا آمن الناس بها بما يكفي من القوة.
لقد صدق بن غوريون -وهو الكذوب- فقد عاش العالم عقودا من الزمن تحت وطأة هذه الأساطير، حيث استخدم هو، وكل صناع الأساطير الصهيونية، المكر والكذب، وتلاعبوا باحترافية كبيرة بقصص التوراة، كي تتناسب والمزاعم السياسية للصهيونية.
في هذا السياق، يرى إيلان بابيه المؤرخ الإسرائيلي الكبير أن هناك عشر أساطير محورية حول القضية الفلسطينية تسعى إسرائيل للترويج لها، هذه المغالطات المبنية على تشويه حقائق الماضي والحاضر تمنعنا من فهم أصول الصراع الدائر، وهو ما يتيح استمرار إراقة الدماء من طرف الجانب الإسرائيلي الذي ينتهكُ حرمة كل المواثيق الدولية الرامية للدفاع عن السكان المدنيين. كما يرى أن السردية التاريخية الصهيونية حول كيفية تحويل الأرض الفلسطينية إلى أراضٍ لدولة إسرائيل قائمة على هذه الأساطير العشر”
لقد جعل صناع الأساطير الصهيونية من أسطورة “أرض إسرائيل” الأسطورة الأمّ، واعتبروها أساس الصهيونية، كما أشاعوا أنها الأرض التي وعد الله بها نبيه يعقوب (إسرائيل) بحسب أقوال كتب اليهود، يقولون كان الوعد في البدء إلى إبراهيم، ثم تجدد العهد بعد ذلك إلى ابنه إسحاق، ثم إلى يعقوب بن إسحاق حفيد إبراهيم. ثم أسندت أرض الميعاد لأولادهم، وكان وصفها في الكتب أنها: الأرض التي تمتد من النيل إلى الفرات، وتعود للشعب اليهودي بموجب العهد القديم. ومنها بثوا الشكوك حول حق الفلسطينيين التاريخي في أرضهم، وهو ما تقبّلته وسائل الإعلام الغربية وأسهمت في ترويجه بين النخب السياسية.
بيد أن وجهات النظر حول هذه الأساطير قد تفاوتت بشكل كبير، فبينما اعتبرها الصهاينة وحلفاؤهم بأنها صحيحة لا ترقى إليها أي شبهة، وبأنها ضرورية للحفاظ على الهوية اليهودية والأمن القومي لدولة “إسرائيل”، اعتبرها آخرون تبريراً لاحتلال وسرقة أرض من أهلها باسم أكاذيب خرافية لا أساس لها من الصحة.
من أجل ذلك ابتدع خبراء وحكماء صهيون فزاعة، أسموها “معاداة السامية” ورفعوها في وجه كل من يشكك في تلك الأساطير التي نسجوها من خيوط عنكبوتية، ثم بعد ذلك وظفوها لتحقيق هدفهم الأسمى بإنشاء ما يسمى بالوطن القومي لليهود، وذلك بعدما اتخذت القيادات الصهيونية من ظاهرة معاداة السامية ذريعة لفصل الجماعات اليهودية في أوروبا عن المجتمعات المسيحية التي كانت تعيش بينها، وطورت على أساسها الفكرة القومية الموجهة لإنشاء ما يسمى بالوطن القومي لليهود. وهي التي باركتها القوى الاستعمارية آنذاك، وعملت على تنفيذها على أرض الواقع.
وبالتزامن مع ذلك، حرص منظرو ما يسمى “معاداة السامية” منذ البداية إلى اختزال الساميين في اليهود فقط، وإبعاد من تبقى من الشعوب السامية ومنهم الشعوب العربية. وعلى الرغم من أن العرب ينحدرون من سام بن نوح، ويمثلون الأصل الأول للساميين فقد تمّ إخراجهم من السامية. ولم يكتف صناع الأساطير الصهيونية بذلك، بل اعتبروهم من الشعوب المعادية للسامية. ولقد كان الهدف من ذلك هو تحريض اليهود الذين يعيشون في دول عربية وإسلامية إلى الهجرة إلى فلسطين، بدعوى أن العرب مجرمون وأنهم ضد الأقلية اليهودية، ويشكلون خطراً عليهم، ولا يعترفون بحقوقهم.
في مذكراته اليومية كتب تيودور هرتزل بعد انتهاء المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد بسويسرا في عام 1897: “في بازل تأسست الدولة اليهودية. لو قلتُ ذلك اليوم سيكون لليهود وطن، سأقابل بسخرية عالمية. ربما بعد خمس سنين، بالتأكيد بعد خمسين، سيدرك الجميع ذلك”. بعد خمسين سنة من قوله هذا، وافقت الأمم المتحدة على قرار تقسيم أرض الانتداب البريطاني في فلسطين. وفي أقل من عام بعد ذلك أعلنت الدولة.
لكن لو عاش هرتزل إلى غاية 7 أكتوبر 2023 لرأى أركان دولته التي بشّر بها بني جلدته من اليهود، تتهاوى وينقض بنيانها على رأسه ورأس كل الصهاينة ومن والأهم. لقد جاء طوفان الأقصى ليعلن نهاية المشروع الصهيوني العنصري، ويضع حدا للأساطير الخرافية التي بُني عليها. وبما أنّ ما بُنيَ على باطل فهو باطل، أو أن الأكاذيب تنهار في وجه الحقيقة، فلما جاء طوفان الأقصى بالوعد الحق نسف كل تلك الأساطير، المؤسّسة لدولة إسرائيل وعرّاها أمام العالم. فلا هي “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، ولا جيشها هو الأقوى في المنطقة، ولا هو الأكثر أخلاقا في العالم.
فبينما كان جنرالات جيش الاحتلال الإسرائيلي يتفاخرون بحجم الدمار والتخريب الذي تركوه في أرجاء قطاع غزة، ويصفون تصرفاتهم هناك، كقطيع من الفيلة الذي يترك خلفه خرابا هائلا، ويتباهوْن بتخريب البنى التحتية وتدمير كل شيء لقتل الحياة، فإنهم لم يكونوا يدرون أنهم إنما كانوا يخربون مشروعهم الصهيوني بأيدهم. ففي العالم كان هناك آلاف الناس يخرجون للاحتجاج والتنديد بالجرائم المهولة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومع كل حدث وحشيّ، كانت إسرائيل تخسر الرأي العام العالمي وتتآكل شعبيتها في جميع أنحاء العالم وخاصة في أوروبا وأمريكا.
فمن كان يتوقّع مشاهد مظاهرات التضامن مع غزة في مدن وعواصم الدول الغربية ضد الإبادة الجماعية الشاملة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في حق أهل غزة. ومن كان يتوقع مشاهد الطلاب في الجامعات الأمريكية والأوروبية وهم ينددون ويحتجون على قتل الأطفال والنساء في غزة. ومن كان يتوقع أن تنحلّ عقدة اللسان لدى مشاهير الكتاب والفنانين والمثقفين وأساتذة الجامعات فيخرجون للهتاف بالحرية لفلسطين.
واسمع السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز يهاجم نتنياهو المجرم وهو يقول له: ” لا تُهِن ذكاء الشعب الأمريكي، فالكشف عن جرائم حكومتك “المتطرفة” ليس معاداة للسامية أو تأييداً لحماس”. واسمع إلى ناومي كلاين الناشطة الكندية وهي تتظاهر الى جانب طلابها في جامعة كولومبيا (فرع كندا ) وهي تقول: “حان الوقت أن نتحرر من عبادة عجل الصهيونية” من كان يتوقع أن يخرج كل هؤلاء دون خوف من فزّاعة معاداة السامية، ويعلنوا عن تضامنهم اللامشروط مع أهل غزة، وأنه “لا حياد أمام الإبــادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين. إن هذه المشاهد التي لم يألفها العالم الغربي، ما كان لها أن تكون لولا طوفان الأقصى المبارك.
فلاش: ما أوهن الباطل ولو اشتد، فهو في الأخير سيزول بسرعة، فستّون دقيقة (طوفان الأقصى المبارك أُنجز في ستين دقيقة) كانت كافية لنسف الأساطير المؤسسة لإسرائيل، وتحرير العالم من سطوة الصهيونية التي امتدت لعقود من الزمن. وإنّ تواجد الـيـهود في التظاهرات والاعتصامات الطلابية بالجامعات الأمريكية، لهو خير دليل على أن فزاعة معادة السامية سقطت، وإلى الأبد، وعما قريب ستسقط دولة إسرائيل، وستزول من الوجود. فصبرا أهل غزة فلم يبق بينكم وبين النصر إلا صبر ساعة!