
بقلم: الصحافي فؤاد السعدي

بعد أكثر من عقد ونصف من إشرافه على قطاع الفلاحة، يجد عزيز أخنوش نفسه أمام فشل ذريع تتجلى أبرز مظاهره في انهيار القطيع الوطني، وهو ما يطرح تساؤلات كبرى حول مدى أهليته لتسيير الشأن العام، خاصة بعدما أصبح رئيسًا للحكومة. فرغم المليارات التي أُنفقت في إطار مخطط المغرب الأخضر، لم ينجح المشروع سوى في تضخيم ثروات فئة محددة، بينما ترك الفلاح الصغير والمواطن العادي يواجهان ارتفاع الأسعار، تراجع الإنتاج، وأزمة البطالة التي تتفاقم عامًا بعد عام.
لطالما روجت الحكومة لإنجازات كبرى في قطاع الفلاحة مستندة إلى أرقام رسمية تفيد بارتفاع الإنتاج وتحسن أوضاع الفلاحين، لكن الواقع اليوم يكشف زيف هذه الادعاءات. فتقارير رسمية تؤكد أن القطيع الوطني تراجع بنسبة 38% بين 2016 و2024، مما يعني أن المغرب فقد جزءًا كبيرًا من ثروته الحيوانية، في وقت تم فيه صرف 13 مليار درهم لاستيراد الماشية دون أن تكون لهذه الأموال آثار إيجابية على القطاع. هذا التناقض الصارخ يثير أكثر من علامة استفهام حول مصير هذه الميزانيات وحقيقة استغلالها، ويؤكد أن هناك إما سوء تدبير كارثيًا أو تلاعبًا متعمدًا بالمخصصات المالية، وفي كلتا الحالتين يصبح فتح تحقيق جدي ضرورة ملحة لا يمكن تجاهلها.
الأزمة التي يعيشها قطاع تربية الماشية لم تكن مجرد خلل تقني في التدبير، بل هي ضربة موجعة لما يقارب مليوني مغربي يعملون في هذا المجال، وهو ما يهدد معيشتهم بشكل مباشر. هؤلاء فقدوا مصدر رزقهم ووجدوا أنفسهم غارقين في الديون بعدما استدانوا على أمل بيع مواشيهم في فترة العيد قبل أن يصطدموا بانهيار الأسعار وندرة العرض. التأثير لم يتوقف عند هذا الحد، ففقدان قطاع المواشي لجزء كبير من طاقته الإنتاجية أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، حيث بلغت 13.6% خلال 2024 بزيادة 2.6% مقارنة بـ2021، وهي أرقام تعكس مدى فشل السياسات الحكومية في تدبير القطاعات الحيوية وضمان استقرارها.
رغم خطورة الوضع، فإن رئيس الحكومة يواصل سياسة الصمت والتجاهل وكأن الأزمة لا تعنيه في شيء. فلا تصريحات واضحة حول مصير الأموال المصروفة على القطاع، ولا محاولات جدية لمعالجة الوضع، وكأن الأمر مجرد تفصيل هامشي لا يستحق الاهتمام. المثير في الأمر أن المغرب سبق أن شهد حالات محاسبة لمسؤولين في ملفات أقل خطورة، كما حدث في الحسيمة حيث تمت إقالة عدد من الوزراء بسبب تأخر مشاريع تنموية، لكن حين يتعلق الأمر بأخنوش، يبدو أن هناك حصانة غير معلنة تجعله فوق المساءلة رغم أنه المسؤول المباشر عن فشل القطاع الفلاحي، سواء كرئيس حكومة اليوم أو كوزير للفلاحة لأكثر من 15 سنة.
استمرار هذا النهج يشكل خطرًا حقيقيًا على مصداقية الدولة ومؤسساتها، فالمواطن لم يعد يثق في الخطابات التي تتحدث عن المحاسبة وربط المسؤولية بالمحاسبة طالما أن الفشل لا يترتب عليه أي عواقب. بل على العكس، نجد أن المسؤول عن هذا الوضع هو نفسه الذي يقود الحكومة دون أن يبدي أي نية في تصحيح الأخطاء أو تقديم توضيحات للرأي العام. الأزمة الحالية تفرض إعادة النظر في الطريقة التي يُدار بها الشأن العام، فلا يمكن أن يظل المواطن هو الوحيد الذي يدفع ثمن الفشل بينما يستمر المسؤولون في مواقعهم دون مساءلة. محاسبة أخنوش لم تعد مجرد خيار، بل ضرورة لإنقاذ الاقتصاد الوطني، وحماية العالم القروي، واستعادة ثقة المواطنين في المؤسسات.
الأسئلة التي تفرض نفسها اليوم تحتاج إلى أجوبة واضحة بدل الصمت والمراوغة. أين ذهبت مليارات الدراهم التي صُرفت على القطاع الفلاحي؟ لماذا تراجع القطيع الوطني بهذه النسبة المهولة؟ لماذا لم يتم إخبار المربين بهذه الأزمة في وقت مبكر حتى يتمكنوا من تدبير أمورهم؟ لماذا لم تُفتح أي تحقيقات رسمية حول مصير أموال المخطط الأخضر؟ استمرار تجاهل هذه التساؤلات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان الاجتماعي ومزيد من التشكيك في جدوى السياسات الحكومية. وإذا كان رئيس الحكومة يعتقد أنه قادر على تجاوز الأزمة بالصمت والتجاهل، فإن الواقع الاقتصادي والاجتماعي سيكشف زيف هذه الاستراتيجية عاجلًا أم آجلًا.