بقلم : ذ. فؤاد السعدي/المغرب
حكايات عديدة تروى عن “التسول” وكيف صار المتسولون من أصحاب الملايين، تماما كتلك المتسولة التي استأثرت قصتها باهتمام نشطاء وسائل التواصل الإجتماعي خصوصا عندما أُكتشف بعد وفاتها أنها تمتلك ثروة طائلة.. وتبين إلى أى حد أصبح امتهان “التسول” شيئا مربحا وسهلا. حكاية هذه المتسولة ليست حالة استثنائية أو هي الأولى من نوعها، ولن تكون كذلك، فقد سبقتها حالات مشابهة عديدة مع اختلاف طفيف في التفاصيل.
غير أن هناك نوعا من “التسول” لا يقل ربحا عن ما هو الشائع كما نعرفه ونشاهده بشكل يومى بمظاهره المختلفة وتفاصيله المثيرة، ألا وهو التسول السياسى أو التسول الحزبي.. أو بمعنى أدق التسول من أجل الحصول على نفوذ ومناصب ومكاسب وامتيازات وعزوة. فإذا كان “التسول” العادي يحتاج من المتسول مهارة في فن الإلحاح وإبداء المسكنة مع الدعاء لحث الناس على الدفع وبسخاء، فإن التسول السياسى/الحزبي يحتاج ممن يمارسه إبداء كل طقوس النفاق والانتهازية والوصولية وإبداء الالتزام بالطاعة لمن يمتلكون سلطة توزيع المناصب والنفوذ، وقد بدا هذا جليا خلال المؤتمر الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة عندما وصل ببعض مناضلي الحزب بجهة الشمال ممن ابتسم لهم الحظ ليكون على رأس مؤسسة منتخبة إلى حد “تسول” منصب في المكتب السياسي.
فمنطق هؤلاء في اللهث وراء المناصب لا يفسر إلا شيئا واحد وهو أنه كما صار التسول العادي عملا مؤسسيا ومنظما من قبل عصابات امتهان “التسول” من خلال تجنيد الأطفال والصبية وإقتسام المناطق الجغرافية للتسول، فإن التسول السياسى لم يعد أيضا ظاهرة فردية كما كان شائعا من قبل وإنما أضحى مؤسسا أيضا، حيث لا يمارسه إلا أشباه السياسيين من الذين مكنتهم الانتخابات الأخيرة من الحصول على مناصب مهمة في مدنهم لم يكونوا في يوم من الأيام يحلمون بها.
وبالتالي يجب الاعتراف والإقرار بأن حزب “البام” مثله مثل باقي الأحزاب السياسية التي تعمل على تأطير مناضلين يختلفون فيما بينهم من حيث الثقافة والتربية والخصائص النفسية ودرجات متباينة من الإيمان بأهداف الحزب والتضحية في سبيله. فكما يوجد مناضلين لا تلين إرادتهم في المواجهات والصعاب والمحن والإيمان بمبادئ الحزب والنضال المستميث للدفاع عنها، يوجد كذلك آخرون مستعدون للقيام بأي شيء في سبيل الحصول على مكاسب سياسية ومناصب قيادية وبأي ثمن. فالوصولية والانتهازية الحزبية هي من السمات الأساسية لمثل هؤلاء، وهي إحدى أهم الأمراض التي يعاني منها “البام” كما باقي الأحزاب بطبيعة الحال، تلك التي يلجأ أصحابها إلى التملق والتزلف لأصحاب القرار عبر الشطب على ذواتهم كأناس يحملون فكراً وضميراً وثقافة متميزة، وتفريغ ذواتهم من كل القيم والأخلاق، ليتحولوا إلى كائنات مبهمة، وأشباح عديمة الملامح، تنحصر مهمتها الأساسية في هز الرؤوس والطاعة العمياء لأصحاب القرار الحزبي والتصفيق لهم في حلهم وترحالهم وأثناء حديثهم، حتى لو كان ذلك الحديث سطحياً فارغاً لا يستدعي حتى التوقف عنده.
هكذا بعض أشباه السياسيين بحزب “البام” بجهة الشمال للأسف الشديد عندما يتجاوز سقف طموحهم سقف أحلامهم ويسعون للحصول على التمثيلية داخل المكتب السياسي، وتبوأ مراكز هي أدرى من غيرها بأنها لا تستحقها، حتى ولو كان ذلك على حساب مناضلين آخرين يحملون الكفاءة ويستحقونها عن جدارة واستحقاق.
فسعي أنصاف السياسيين للضفر بتمثيلية جهة الشمال بالمكتب السياسي لحزب “البام” هو إعلان صريح بإسقاط المحرشي والحموتي اللذان راكما تجربة كبيرة في الممارسة السياسة ويعتبران من القيادة البارزة داخل الحزب منذ تأسيسه فكيف يجرؤ هؤلاء على مجارات هذين الإسمين والسعي لإزاحتهما بممارسة التسول السياسي؟
صحيح أنه كلما أضحى التسول العادي خطرا مجتمعيا، لأنه يفسد ممتهنيه ويحرم المستحقين فعلا من الصدقات والمكرومات، فإن التسول السياسي لا يقل خطورة لأنه يفسد الحياة السياسية والحزبية أيضا، ويحرم الأحزاب من الكفاءات حينما يفتح المجال لأناس لا كفاءة لهم.
وإذا كنّا نحتاج لآليات مقاومة لظاهرة التسول العادية فإننا أيضا محتاجون لمواجهة وردع التسول السياسي حتى تحقق الأحزاب ما تنشده في نشر الوعي التنظيمي والقيم السياسية والمعرفية بين أعضاءه.
وللحديث بقية