بقلم : ذ. فؤاد السعدي/المغرب
لا تخفى على عين المدقق حقيقة تراجع سمعة حزب الأصالة والمعاصرة، لدرجة صار التطاول عليه أمرا عابرا ومالوفا، بسبب الإدارة السيئة والمخجلة لأمينه العام وخرجاته الإعلامية العبثية، وتصريحاته المستفزة للمحامين والقضاة وحماة المال العام، نساء ورجال التعليم، ما أضر الى حد كبير بصورة الحزب والحياة السياسية لدى الرأي العام.
وتبقى الأزمة التنظيمية التي يمر منها حزب “الجرار” اليوم والمرتبطة باعتقال اثنين من قياداته البارزين على خلفية ملف ما يسمى “اسكوبار الصحراء، قوية بالنظر الى تلك التي تعرض إليها خلال أحداث “الربيع العربي”. وهو ما وضع وهبي في ورطة حقيقية خصوصا أنه من دفع الى تزكية مشتبهين في الاتجار الدولي للمخدرات، وتمكينهما من تبوء مناصب قيادية، وفسح الطريق أمامهم لولوج مناصب حساسة في الدولة والبرلمان. وبالتالي يبقى المسؤول الوحيد عن إلحاق أضرار عدة بصورة الحزب وتحويله من حزب تقوم وظيفته على التنشئة السياسية والتربية على قيم المواطنة، وعلى أخلاق الديمقراطية، الى دكان سياسي يُدار بمنطق الربح والخسارة، وأداة لتصريف سياسات حزب”الأحرار” داخل الأغلبية. ولازالت قضية سحب التزكية من أحد كوادر “البام” بالأقليم الجنوبية “بلفقيه” لفتح الطريق أمام حزب أخنوش لترأس جهة كلميم واد نون عبر “مباركة بوعيدة”، وقضية تجميد عضوية الأصوات المعارضة من داخل الحزب والبرلمان، بحجة انسجام وتوافق الحكومة (مهاجري نموذجا) شاهدة على ذلك.
بالإضافة إلى حالة التيهان التي يعيشها وزراء حزبه وسط تشكيلة حكومية لم يكن أكثر المتفائلين ينتظر المشاركة فيها، ولعب دور مكمل عددي لأغلبيتها الهجينة. وهو بالضبط ما يضع علامات استفهام عريضة حولَ نوعية التعاقد الذي جمع وهبي بحلفيه أخنوش، ونوع النقاش الذي دار بينهما قبل عقد قران الدخول في الحكومة. هل هوَ عقدُ برنامج؟ وهو أمرٌ مستبعد. أم عقود استوزار ووعود بالغنيمة وقسط من الكعكة الوزارية؟ وهو أمرٌ واردٌ.
فالحزب الذي لم يكن يرضى قبل مرحلة “وهبي” بالقيادة بديلا، ويرفض الإنظمام لحكومات أقل من سقف أهداف قياداته وطموحات مؤسسيه، صار اليوم، الحديقة خلفية لحزب “الأحرار”، وأداة للترافع لصالحة في الأزمات والقضايا الاستراتيجية، كما حصل خلال أزمة التعليم، عندما بدى خطاب “أخنوش” أكثر ليونة، بينما “وهبي” خرج بخطاب صدامي مستفز، يؤجج أزمة الأساتذة ويورط الحزب والحكومة في متاهات جديدة.
ومع كل هذا يصر المدافعون عن أمينهم العام الحالي من داخل “البام”، على أن الرجل نجح في تدبير شؤون الحزب بعد حصوله على الرتبة الثانية في الانتخابات الأخيرة والمشاركة في الحكومة، وهي حصيلة حسب زعمهم كافية لتضمن له الإستمرار على رأس الحزب لولاية ثانية. لأنهم لم يستوعبوا بعد الإشارات المشفرة التي بعثها حزب أخنوش للقيادات المستقبلية لحزب “الجرار” من خلال تقزيم حجم وهبي في المعركة التي يقودها من داخل البرلمان من أجل إدخال تعديلات على النظام الداخلي لمجلس النواب، ولم يفهوا بعد دلالات كلمة نزار بركة عندما قال “لابد من تخليق الحركية والمصعد الإجتماعي في بلادنا .. بغينا نماذج ديال النجاح الخلقي .. لأننا بغينا ناس لكينجحو على دراعهم ماشي لكيطلعو فدقة وحدة ومكنعرفوش منين جاو”، إذن ألا يعتبر موقف “الاحرار” وكلام نزار بركة المشفر عن الناصيري والبعيوي بمثابة طعنة في ظهر وهبي، وبداية الإعلان عن نهايته؟
ما يقع اليوم ب “البام” لم يعد استثنائيا طالما أن الحزب منذ تأسيسه وهو يضم الى صفوفه وجوها إما دخلت عالم السياسة بدون استئذان، وإما جاءت عن طريق الخطأ. وفي كل مرة تثار الانتقادات حولها كونها وفدت على المسرح السياسي بالخطأ، وفي الزمن الخطأ، يتم إجبرها على الانسحاب أو التواري بعد ذلك، وبدل أن تخلفها وجوه بديلة قادرة على احداث تغيير حقيقي سياسيا وتنظيميا، تخرج علينا وجوه أقل منها مصداقية وبلا مرجعية سياسية، باختصار يبقى حزب الأصالة والمعاصرة ظاهرة حزبية متفرد تمارس فيه السياسة بمنطق “متبدل صاحبك غير بما كرف منو”.
وللحديث بقية..