بقلم : ذ. أمين بوشعيب – إيطاليا
كشفت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، في تقريرها السنوي الذي نشرته على موقعها، يوم الثلاثاء 04 يوليو 2023، إلى أن دول الاتحاد تلقت21 الفا و957 طلب لجوء مغربي، خلال العام المنصرم في رقم قياسي، أي أنّ 21 ألفا و225 منها هي طلبات لأول مرة، في حين بلغت الطلبات المعلقة مع نهاية العام 16 ألفا و430 طلبا، ووصل عدد الطلبات المسحوبة 4420 طلبا مغربيا. ويعد هذا الرقم هو الأعلى حسب إحصائيات التقرير، ففي سنة 2021 بلغ عدد طلبات اللجوء المغربية 15035 طلبا، وفي 2020 بلغ 7872 طلبا، وفي 2018 بلغ مجموع الطلبات 8880 طلب لجوء.
التقرير لم يتحدث لا عن الفئات، ولا عن الأسباب الكامنة وراء هذا الكم الهائل من طلبات اللجوء، لأنه عادة ما يكون سبب طلب اللجوء إلى أوروبا إما الحرب أو الكوارث الطبيعية التي تسبّبُ المجاعة والبطالة.
لهذا نتساءل ما الأسباب التي تجعل المغاربة يضطرون إلى مغادرة وطنهم؟ فهل المغرب يعيش حربا أهلية، دفعت أهله إلى النزوح خوفا من ويلات الحرب؟ أم أنه تعرض لكوارث طبيعية ” جعلتهم يهربون من مخاطرها وتداعياتها كالمجاعة وغيرها؟
أولا وقبل كل شيء لا بد من الإقرار بأن المغرب بلد آمن من الحروب وآمن – بإذن الله – من الكوارث الطبيعية، والحمد لله، وهو غني بثرواته المادية والمعنوية.
لذلك أزعم أن هناك سببا واحدا وراء هذه الظاهرة التي تتفاقم بشكل مضطرد، هو الأداء الحكومي الذي اتسم بالتردد والتعثر سيما في المجال الاجتماعي والاقتصادي، واتسم كذلك بالعجز على إبداع وابتكار الحلول الناجعة لحل مشاكل المغاربة، والتلكّؤ في اتخاذ قرارات ملموسة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين من لهيب أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية الأساسية.
وأما الفئات التي لم يذكرها التقرير فأزعم أن الذين تقدموا بطلبات اللجوء، ليسوا من ذوي الشهادات العليا، لأن هؤلاء يهاجرون مرحبا بهم تحت الطلب، فحسب تقرير بعنوان هجرة الأدمغة من المغرب، أورد أن الآلاف من الكفاءات المغربية تهاجر كل سنة إلى الخارج، وكثير ممن بقي منها في بلاده يبحث عن الفرصة للرحيل.
وبهذا الصدد تقول دراسة حديثة أنجزها موقع rekrute (مختص في مجال التشغيل) حول المغاربة أصحاب الشهادات العليا: إن 91 من القاطنين منهم في المغرب، يرغبون في الهجرة إلى كندا (37 بالمئة) أو فرنسا (25 بالمئة) أو ألمانيا (12 في المئة) أو دول أخرى، رغم أن نسبة كبيرة منهم تشتغل.
وأوضح هؤلاء، حسب الدراسة ذاتها، أن الرغبة في تطوير مسيراتهم المهنية كانت السبب الأول للهجرة. وفي الوقت الذي أكدت فيه 74 من الكفاءات المهاجرة أنها ترغب يوماً بالعودة، قال 44 في المئة من غير المهاجرين إنهم يرغبون بالبقاء في بلدان الهجرة مدى الحياة.
نعم إن أغلبهم يرغبُ بالعودة إلى وطنه الأم، لأنهم اضطروا إلى الهجرة القسرية، وهناك من يدفعهم إلى ذلك دفعا.
فماذا يخسر المغرب من جراء هجرة كفاءاته؟
إن أهم شيء يخسره المغرب من خلال هجرة أبنائه، هو موارده البشرية التي يمكن أن تساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبفقدانها يفقد المغرب جزءاً من رأسماله البشري، وهو عامل مهم من عوامل الإنتاج في الاقتصاديات الحديثة. فإذا كانت الدول تتصارع وتتنافس على جذب أفضل الكفاءات، فإن المسؤولين المغاربة يفتخرون بتصديرها، ويعتبرونها علامة فارقة على جودة التعليم بالمغرب.
إن هذه الوقائع لتدل بما لا يدع مجالا للشك، أن الحكومة المغربية لا تعير أي اهتمام للكفاءات. فهل يعقل أن تضيع الكفاءات التي ننتجها محلياً بسبب الهجرة التي لا تكون في العادة خياراً رئيسياً لتلك الكفاءات، بل يفرض عليها لأنها لا تجد الظروف الملائمة في وطنها؟
فبمجرد تعيين عزيز أخنوش رئيسا للحكومة المغربية، أعلن أن حكومته ترفع شعار الدولة الاجتماعية، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة ورش له مكانة مهمة؛ يرتكز على التغطية الصحية، وتكافؤ الفرص في التعليم، وتوفير فرص الشغل، وهي أولويات تتمحور كلها حول الرأسمال البشري.
ومرت سنتان دون أن نلمس أثرا ملموسا لما أسماه رئيس الحكومة: الدولة الاجتماعية، وها هو في سنة 2023، يعيد نفس الكلام، حيث أكد خلال جلسة (شهر يونيو/ حزيران) المنصرم، بمجلس النواب، على الحاجة المتزايدة لتعزيز الرأسمال البشري كمسألة حاسمة لنجاح مسارات التنمية بالمملكة، وتعزيز قدرة المواطنين على مواجهة المستقبل وتمكين المملكة من تقوية تنافسيتها.
لكن التقارير أفادت أنه خلال سنتين فقط من عمر هذه الحكومة، حدثت هجرة جماعية لعدد من الأطباء المغاربة إلى الخارج، وذلك باعتراف وزير التعليم العالي المغربي نفسه، الذي كشف عن أن المغرب يفقد من 600 إلى 700 طبيب كل عام، بهجرتهم نحو الخارج.
فلاش: أشار الباحث المغربي في الاقتصاد رشيد أوراز، أن الربط بين المناخ العام السياسي وبين المستويين الاقتصادي والمعيشي يعدّ من المحددات الرئيسية للتحفيز على الاستثمار والبقاء في البلاد، وبهذا الصدد أكد أن حكومة أخنوش قد “أخفقت في كبح جماح ظاهرة هجرة الأدمغة لأنها تلكأت في الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي يعطي الأمل للمواطنين للاستمرار هنا (أي في وطنهم)، ما يجعلهم يبحثون عن وجهات أخرى أكثر أماناً واستقراراً”. فهل عزيز أخنوش يبيع الوهم للمغاربة؟
نعم “إنه يبيع الوهم ولا شيء سوى الوهم”.