نظم النادي الجراري اليوم الجمعة بالرباط، حفلا تأبينيا لمستشار صاحب الجلالة السابق، الراحل عباس الجراري، الذي وافته المنية في 20 يناير المنصرم، وذلك بحضور شخصيات مرموقة من عالم الفكر والسياسة والثقافة والإعلام، وأفراد من عائلته.
وشكل هذا الحفل الذي أراد منه النادي الجراري “أمسية للعرفان” للراحل عباس الجراري، مناسبة لإحياء ذكرى رحيل “عميد الأدب المغربي” والاحتفاء بمنجزه الفكري الغزير ومساهماته العلمية الغنية في مختلف حقول المعرفة.
وأكد مؤرخ المملكة، عبد الحق المريني، في كلمة بالمناسبة، أن الراحل عباس الجراري كان “هرما شامخا من أهرام الثقافة بالمملكة، وشخصية موسوعية متعددة الأبعاد والاختصاصات”، مبرزا أن إشادة رجال الفكر والثقافة بأعماله الفكرية تعد أصدق تعبير للتذكير بالعطاءات الفياضة للراحل في مجالات الادب المغربي والبحث العلمي والدراسات الإسلامية والفنون الشعبية المغربية.
وقال المريني إن الراحل الجراري أسهم في إغناء الخزانة الوطنية بما يناهز 100 مؤلف في مختلف فنون المعرفة نظرا لإمكاناته الفكرية وقدراته الإبداعية، معتبرا أن الراحل “أدى الرسالة الثقافية الجامعة والقيمة والغنية تجاه وطنه وطلابه وكافة المثقفين”.
من جهته، أكد رئيس جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة، عبد الكريم بناني، أن الراحل عباس الجراري، فقيد الثقافة العربية والإسلامية، “كانت له مكانة متفردة في عالم الفكر والأدب والثقافة”، مبرزا على الخصوص خدماته الجليلة للغة العربية التي كانت أس مشروعه الفكري.
من جانبها، أكدت المديرة العامة للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالنيابة، لطيفة مفتقر، أن الراحل عباس الجراري كان علما بارزا من أعلام الثقافة والأدب المغربيين، وأغنى الخزانة الوطنية بأبحاث شملت مختلف حقول المعرفة، مؤكدة حرص المكتبة الوطنية على الاحتفاء بشكل متواصل بأقطاب الثقافة بالمملكة.
من جهته، أبرز عبد العزيز بن عثمان التويجري، مدير عام منظمة (إيسيسكو) سابقا، في قصيدة شعرية تلاها بالمناسبة، مناقب الراحل الجراري العلمية وتواضعه الجم ومساهماته الموصولة في مختلف أنشطة المنظمة، مبرزا أن ذكرى الراحل ستبقى حية بفضل ما خلفه من تراث لا يفنى.
وأجمعت باقي المداخلات على الإشادة بالكفاءات الفكرية والخصال الإنسانية للراحل الذي كان “قامة علمية فذة ورمزا من رموز الأدب والثقافة المغربيين”، منوهة في هذا الصدد ب”عالم فقيه، ومثقف حصيف وخطيب موفق وأكاديمي رصين وأديب مبدع، وعَلَم اجتمع فيه ما تفرق في غيره”.
كما أبرزت مساهمات الراحل الجراري التي سلطت الضوء على جوانب كثير من الثقافة المغربية وأبرزت غنى حضارتها تشهد على ذلك مؤلفاته الغزيرة التي اتسمت بالعمق والجدة والتجديد.
وكان الراحل الجراري، الذي ولد في 15 فبراير 1937 بالرباط، يعد عميد الأدب بالمغرب وأحد رواد الثقافة والفكر سواء في المملكة أو في العالم العربي. شغل عدة مناصب جامعية وعلمية، حيث كان عضوا في أكاديمية المملكة المغربية، وأستاذا بكليات الآداب بفاس ومكناس والرباط، وكذا أستاذا في المدرسة المولوية، وعميدا لكلية الآداب بجامعة القاضي عياض بمراكش.
كما كان الجراري مكلفا بمهمة في الديوان الملكي، وشغل منصب أمين الشؤون الخارجية بسفارة المغرب بالقاهرة سنة 1962، ورئيس المجلس العلمي الرباط-سلا (1994) وخطيب مسجد للا سكينة بالرباط في 1989.
واشتغل الراحل، كذلك، عضوا في مجمعي اللغة العربية في القاهرة ودمشق، وكذا في الأكاديمية الأردنية لأبحاث الحضارة الإسلامية، وعضوا في رابطة الباحثين في التراث الشعبي العربي، وفي مركز الأبحاث الأنثربولوجية في الشرق الأوسط وجمعية المؤرخين المغاربة. وكان أيضا عضوا في مجلس جامعة القرويين، ونائبا لرئيس جمعية رباط الفتح، ورئيسا شرفيا لجمعية البحث في آداب الغرب الإسلامي.
وحصل السيد الجراري على وسام العرش من درجة ضابط كبير، وكذا على وسام المؤرخ العربي، وجائزة الاستحقاق الكبرى، ووسام الاستحقاق بمصر.
ودرس الراحل في جامعة القاهرة، حيث نال الإجازة في اللغة العربية وآدابها سنة 1961، ودرجة الماجيستير سنة 1965، ثم دكتوراه الدولة في الآداب سنة 1969.
وألف الراحل عدة كتب مرجعية في مجالات الأدب المغربي والثقافة الشعبية والأدب العربي والإسلامي والفكر والدراسات الإسلامية.