بقلم: الكاتب والمفكر المغربي حسن أوريد
كادت حدة التوتر أن تخفُت ما بين المغرب والجزائر، بعد فترات متوالية من التوتر، بين مد وجزر، ليعود التوتر عالياً من جديد. تتهم الجزائر الرباط بالمشاركة في اجتماع أمني تزعم أنه انعقد في إسرائيل يكون قد ضم أمنيين إسرائيليين وفرنسيين ومغاربة، يهدف إلى زعزعة مناطق من الجزائر وتونس. استنفر هذا الخبر الذي بثته وسائل إعلام قريبة من السلطة في الجزائر الرأي العام، وعقب نشر الخبر انعقد اجتماع على أعلى مستوى من القيادات الأمنية في الجزائر، وكان من تداعيات هذا الاجتماع حشد القوات العسكرية على الحدود الغربية المتاخمة للمغرب.
لم يصدر رد من الرباط على الخبر، ولكن الصحافة المغربية اعتبرت “الخبر” تخرصاً. فكيف يمكن اختراق اجتماع أمني لأمنيين في إسرائيل؟ وهل من الضروري أن ينعقد في إسرائيل؟ وكيف يلتقي أمنيون فرنسيون ومغاربة وسبل التواصل بين البلدين معطلة؟
أول ضحية في الحروب هي الحقيقة، كما يقول كلوزفيتس، المُنظر الاستراتيجي الألماني. بيد أنها تكون ضحية قبل أن يندلع النزاع، وتكون الأخبار الكاذبة الطلائع أو التوطئة التي تقولب الأذهان، كما زعْمِ الولايات المتحدة من كون العراق رابع قوة عسكرية قبل حرب الخليج، وامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وضلوعه مع القاعدة لتبرير حرب 2003… وهلم جرا من المزاعم التي تريد إسباغ “الشرعية” على المواجهة.
في سياق النزاع الكوني الذي يعرفه العالم، من شأن اندلاع شرارة في شمال غرب إفريقيا، أن يفضي إلى تدويل النزاع، أي إن المواجهة، لا قدّر الله، لن تكون ما بين المغرب والجزائر فقط، وإن إسهام البلدين (إن صح هذا التعبير)، سيكون في الضحايا، والدمار، وستكون دول الكبار تغذية وقود النار. ولن يكون في مقدور البلدين، أو قيادتيهما بعد اندلاع الشرارة الأولى، التأثير في مجرى الأمور، لتكون النتيجة هي الدمار المشترك، وتفكيك لحمة مجتمعي البلدين، وشق أخدود من التنافر بين البلدين، يهيئ لمواجهة مقبلة.
الحرب ليست حلاً، وليس من الجبن الدعوة إلى تجنبها. ويحسن لربما، في هذه الظرفية المتوترة عالمياً، والتي تكاد تشبه سياق الفترة 1918- 1939، قراءة الفصول الأخيرة لكتاب الحرب والسلم لتولستوي. يمكن بلوغ الأهداف التي يزعم المتحاربون رفعها من دون مواجهة عسكرية. كان لقيم الأنوار أن تسود، من غير حروب نابليون، بالمطبعة وحدها، كما يقول تولستوي. يمكن للذكاء أن يبلغ ما لا تبلغه البنادق.
نعرف من خلال استقراء تاريخ الحروب أن ما يُنظر إليه عمليةً قصيرة في الزمن، ينتهي إلى مستنقع يصعب الخروج منه، وأن للحروب منطقاً غير الذي يراه مُشنّوها، والنتيجة التي تؤول إليها دوماً هي أنها تُضعف المتحاربَيْن وتخرجهما من دائرة التاريخ، فحرب البليبونيز ما بين أثينا وسبارطة، هي ما أنهى سؤدد الإغريق، والحرب العالمية الأولى هي ما حوّل النقطة المركزية للعالم من أوروبا إلى أمريكا.
الحرب كما قال المرحوم الهواري بومدين، مرة، ليست لعبة أطفال، وهي المقولة التي لا أمل من تكرارها. والعاقل هو الذي يُقدّر التبعات المحتمَلة لأي مغامرة.
هدف الثورة الجزائرية قبل أن تندلع هو تحرير الجزائر أولاً، وتحقيق الوحدة المغاربية، بعدها، وكان هدف الماهدين للحركة الوطنية في تونس والمغرب هو الوحدة المغاربية. وهذا الهدف هو الذي يستحث الشعوب المغاربية، إلى اليوم، وتحمله بطريقة لا شعورية. ولا أرى كيف يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال المواجهة… وعلى العكس، يمكن تحقيقه بالذكاء، رغم تعقد الظرفية، بالاستثمار في الزمن الطويل. أو لكي أستشهد مرة أخرى بالمرحوم بومدين، لا ينبغي لعن المستقبل.
لا بد من استنفار الرأي العام لدى كل من المغرب والجزائر، عن خطورة الانزلاق في مواجهة عسكرية، بين الشعبين الشقيقين، ويتوجب توسيع التوعية عن المخاطر المحتمَلة على المستوى المغاربي.
ولا بد من السعي لإخماد التوتر، على المستوى الرسمي العربي والإسلامي.
من العسير حل القضايا العالقة بين البلدين، على المستوى الرسمي، مع استنفاد منسوب الثقة بين البلدين. يمكن وضع الخلاف في حالة توقف، كما حينما يطلب الحكم في مباراة كرة السلة وقفة قصيرة للمواجهة، لتغيير تكتيك اللعب، أو التقاط الأنفاس.
ولا بد للعقلاء من البلدين، أن يعملوا على إطفاء وميض النار، كما يقول الشاعر القديم محذراً :
فإن النار بالعودين تُذكَى وإن الحرب أولُّها الكلامُ
فإن لم يطفئْها عقلاءُ قوم يكون وقودها جثثٌ وهامُ
وهو ما لا نريد.