أمين بوشعيب / إيطاليا
وأخيرا رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، يفجرها مدوية، ويطالب بمحاسبة المسؤولين عن مخطط “المغرب الأخضر” بعد فشله في تأمين الحاجيات الفلاحية للمغاربة، من الخضر والفواكه، التي وصلت أسعارها لمستويات قياسية. وبهذا الصدد قال السيد محمد الغلوسي: “إن مخطط المغرب الأخضر الذي أطلق سنة 2008 وكلف أموالا عمومية كبيرة، لم يستطع أن يلبيَ حاجات المغاربة من المواد الفلاحية والزراعية الموجهة للاستهلاك، وهو مخطط أريد له أن يكون استراتيجيا، لكن تبين أنه موجه لخدمة طبقة الفلاحين الكبار الذي يوجهون منتوجاتهم للتصدير نحو السوق الأوروبية لجني أرباح كبيرة عوض تلبية حاجات السوق الداخلية”
وتساءل الغلوسي: كيف لحكومة فشلت في تلبية طلبات الاستهلاك الداخلي، وتزويد السوق الداخلية بعرض وافر من الخضر، لا تريد حتى الاعتراف بقصور هذا المخطط؟
وعبّر رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، في نفس الوقت، عن تخوفه من أنه وكما “قيل للمغاربة إن النموذج التنموي قد فشل في تحقيق أهدافه، ولذلك لابد من نموذج تنموي جديد، وسنسمع أيضا، ورسميا، أن مخطط المغرب الأخضر قد فشل في بلوغ مبتغاه، ولذلك لابد من مخطط أخضر آخر نضخ فيه أموالا أخرى”.
لكن -يضيف السيد الغلوسي في تدوينة له عبر حسابه في الفايسبوك- ” المثير في كل هذا هو أن المغاربة يسمعون الإقرار الرسمي بالفشل وبلغة واضحة، لكن دون أن تتبعه محاسبة المسؤولين عن فشلنا المتكرر، ليظل ربط المسؤولية بالمحاسبة مؤجل إلى إشعار آخر”.
فيما يرى عدد من الخبراء أن ” مخطط المغرب الأخضر” لم يخضع للمراقبة على تدبير الأموال العمومية التي رُصدت له، كما أنه قام بتسخير وسائل الدولة من أراضي، ودعم مالي، واعفاءات ضريبية، وتسهيلات مختلفة لصالح المستثمرين أصحاب الرساميل الكبيرة، نحو التصدير وجني الأرباح مع استنزاف المياه الجوفية والتربة، دون أن يعود ذلك بالنفع على الشعب الذي موله.
في حقيقة الأمر لا يسعنا إلا أن نثمّن دعوة رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، في مطالبته بربط المسؤولية بالمحاسبة، ونفيذها على المسؤولين عن فشل المخطط الأخضر وإن جاءت الدعوة متأخرة.
لكن السؤال الحارق هو: من يجرؤ على محاسبة هؤلاء؟
الحكومة لا يمكنها أن تعترف بقصور هذا المخطط في تلبية طلبات الاستهلاك الداخلي من المواد الفلاحية والزراعية، ببساطة لأن رئيسها السيد عزيز أخنوش، الذي كان وزيرا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، هو أحد مهندسي المخطط، بل كان هو الآمر بصرف الأموال، بعد أن تنازل له رئيس الحكومة المغربية آنذاك عبد الإله بنكيران عن هذا الاختصاص. فمنذ إعطاء انطلاقة المخطط- ما فتئ عزيز أخنوش يزفّ للمغاربة البشرى تلو الأخرى في كل مناسبة خطابية، ويعدهم ويمنّيهم بأن المغربَ سيقفز قفزةً نوعيةً ، وأن المخططِ الأخضرِ سيكون أهم البرامج التنموية في مغرب القرن الواحد والعشرين، وأحدَ أكبرِ المشاريع الشاهدة على التطورات والإصلاحاتِ التي سيعرفها المغرب مستقبلا، فلما وقعت الأزمة وأصبحت أسعار المنتجات الفلاحية تحلق في السماء، ادّعت الحكومة أن ذلك يعود إلى ما بعد جائحة كورونا، وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، لكنها لم تجرؤ على الإشارة لا من قريب أو بعيد، إلى النقص الحاد في تمويل السوق المحلي بالمنتجات لأن ذلك سيضع مخطط المغرب الأخضر في قفص الاتهام. وأما البرلمان المغربي، فواقع الحال يُنبئ أنه أصبح يفتقد للمصداقية السياسية والأخلاقية لدى فئاتٍ واسعة من الشعب المغربي، لأنه في نظرهم- تخلّى عن ممارسة وظائفه الأساسية، خاصة وظيفة مراقبة العمل الحكومي، لا سيما في القضايا الحيوية والمصيرية، وهنا لا بد أن نتساءل: لماذا لم يتم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق وفق الشروط الواردة في الفصل 67 من الدستور الذي يجوِّز تشكيل لجنة برلمانية بمبادرة من الملك، أو بطلب من أغلبية أعضاء مجلس النواب، أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين، وذلك من أجل جمع المعلومات المتعلقة بتدبير صندوق المغرب الأخضر وكذا تقييم السياسة الفلاحية لهذا المخطط الذي لم يحقق أهدافه من ما سُمِّي بالفلاحة التضامنية التي تخص الفلاحين الصغار والمتوسطين كدعامة أساسية؟ وكمثال على ذلك، فحين قررت الحكومة تشجيع وتكثيف الإنتاج الحيواني سواء من خلال وقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار الأليفة، وذلك ضمن حصة تصل إلى 200 ألف رأس، أو من خلال دعم استيراد العجلات الحلوب، والذي يشمل 120 ألف رأس وذلك عبر منح 3 آلاف درهم للرأس في حال اقتناء ثلاث عجلات، و5000 درهم للرأس من العجلة الرابعة المستوردة إلى العجلة العاشرة، و2500 درهم للرأس ابتداءً من العجلة الحادية عشرة المستورة وما فوق، أو من خلال دعم العجلات من الأصناف الأصيلة محليا بحوالي 4000 درهم للرأس. لم يكن لكل تلك القرارات أي أثر إيجابي على سوق اللحوم الحمراء، حيث بقيت السوق المغربية تعرف خصاصا كبيرا في انتاج اللحوم مما جعل الأسعار ترتفع إلى مستويات قياسية، فإذا كان هناك خصاص ونقص في الإنتاج الحيواني، فأين الأموال التي صرفت على تكثيف إنتاج الأبقار؟ هذه مجرد أسئلة، نرجو أن تلقى الجواب، لعله يضيء بعض العتمات.
ولكن من يجرؤ على الجواب؟ فلاش: في الأسبوع الفارط، أصدرت المندوبية السامية للتخطيط، تقريرا كشفت فيه أن الأزمة المغربية ليست مستوردة، بل هي محلية الصنع، حيث أكد أن التضخم في المغرب أصبح عاملاً هيكليا في الاقتصاد المغربي، وسببه الرئيس هو نقص تمويل السوق المحلي بالمنتجات، ولذلك أصبح الاعتراف بهذه الحقيقة والتعايش معها واجبا. والحل في نظر المندوبية هو مواجهة هذه الأزمة التي يعيشها المغرب “بثورة حقيقية لتغيير نظام الإنتاج، والعمل سريعا لتحقيق السيادة الغذائية، وإنتاج ما نستهلكه أولا، مع تحقيق أقصى قدر ممكن من التقدم التقني والتكنولوجي لتحسين مردودية الإنتاج”.
لا شك أن تقرير المندوبية السامية للتخطيط، قد وضع الإصبع على الجرح، ودقّ ناقوس الخطر، حيث كشف الوجه البشع للأزمة التي يتخبط فيها المغرب، منبّها في نفس الوقت الحكومة إلى التفكير بطريقة مغايرة، لما عليه الأمر الآن. ولا شك أيضا أن هذا التقرير قد خالف الفرضيات التي قدمتها حكومة عزيز أخنوش في قانون المالية للسنة الحالية، والتي أكدت من خلالها أنها ستحقق نسبة نمو تبلغ 4 في المائة وتضخما في حدود 2 في المائة. لكننا كنا سبّاقين إلى دق ناقوس الخطر من خلال هذا المنبر، عبر عدة مقالات. وقلنا منذ الوهلة الأولى، أي مباشرة بعد تعيين عزيز أخنوش على رأس هذه الحكومة، بأن مصير هذه الأخيرة سيكون الفشل الذريع، لأن رئيسها بكل بساطة رجل أعمال، وليس رجل سياسة، لا يهمّه سوى مضاعفة ثروته، وزعمتُ حينذاك أن حكومته ستكون أسوأ من سابقاتها، لأنها لا تحظى بالدعم والقبول الشعبي، وهي الحكومة التي أثارت ولا زالت تثير كثيرا من الجدل، ولا تزال تلاحقها عدة أسئلة بدون جواب إلى يومنا هذا. فمن يجرؤ على إعطاء الجواب؟!