بقلم: الصحافي فؤاد السعدي
في ظل التطورات الراهنة التي تشهدها الساحة الإعلامية العربية، تتكشف مواقف تعكس حجم التناقضات التي يعيشها بعض الفاعلين داخل هذا المجال. فالبيان الأخير الصادر عن المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين حول مخرجات اجتماع الاتحاد العام للصحفيين العرب بدبي الإماراتية، يقدم نموذجًا صارخًا لخطاب مشحون بالعواطف والمواقف العدائية، التي تخفي وراءها عُقدًا سياسية وتاريخية عميقة تجاه المملكة المغربية.
فالمتابع لتصريحات المنظمة الجزائرية يلاحظ أن الحملة الموجهة ضد البيان الختامي للاتحاد تنطلق من لغة تتسم بالمغالاة والتضخيم. فبدلاً من التعاطي مع المخرجات بحس نقدي مهني وهادئ وزين، اختارت المنظمة تبني خطاب حاد وعدائي يتهم الاتحاد بالانحراف عن مبادئه، مع التركيز على قضية الصحراء المغربية بطريقة تسعى لتبرير موقف الجزائر المتصلب تجاه هذا الملف. هذا النهج لا يعكس فقط تعنتًا سياسياً، بل يكشف عن غياب للموضوعية في التعاطي مع قضايا تتطلب معالجة هادئة تستند إلى المعطيات والوقائع.
الخطاب الجزائري المرتكز على شرعية دولية مفترضة، يتجاهل بشكل واضح التحولات التي طرأت على هذا الملف، سواء من حيث الديناميات الإقليمية أو التغيرات في مواقف القوى الكبرى.
فاعتراف دول مؤثرة كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا وألمانيا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتبني الأمم المتحدة لخيار الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي، يشكلان تحولاً كبيراً يتطلب قراءة متأنية بدلاً من التشبث بمواقف تقليدية تجاوزتها الأحداث. كما أن الجزائر التي تعاني من أزمة داخلية عميقة في ملف حقوق الإنسان، تجد نفسها مطالبة بالتعامل بجدية مع قضية شعب القبايل الذي يعاني التهميش والقمع، بدلاً من استخدام حقوق الشعوب كأداة للتلاعب السياسي في سياق مليء بالتناقضات، خصوصاً أن المنتظم الدولي بات اليوم يدرك أن دفاع الجزائر عن مبدأ حقوق الشعوب في “تقرير المصير” ما هو إلا مزايدة سياسية، كشفتها التحولات الأخيرة في المواقف الدولية والإقليمية.
المفارقة الكبرى تكمن في استخدام خطاب حقوق الإنسان لتبرير المواقف الجزائرية. فالنظام الجزائري، التي يعاني داخلياً من أزمات في هذا المجال، اختار أن ينصب نفسه مدافعا عن حقوق الشعوب، متناسيا تمامًا الانتهاكات التي يمارسها ضد الصحفيين والمواطنين داخل أراضيه. هذا التناقض يثير تساؤلات حول صدقية المواقف المعلنة ومدى جديتها في دعم حقوق الشعوب بشكل حقيقي بعيداً عن استغلالها كأداة سياسية.
رد المنظمة الجزائرية يعكس أيضاً شعوراً عميقاً بالإحباط من التحولات التي تشهدها المنطقة، خاصة في ظل الحضور المغربي القوي دبلوماسياً وإعلامياً. هذا الحضور نجح في ترسيخ رؤية واضحة لقضية الصحراء المغربية، تعتمد على الشرعية الدولية والحلول العملية التي تأخذ بعين الاعتبار تطلعات الساكنة المحلية. وفي المقابل، يبدو أن الخطاب الجزائري يتخبط في محاولة الدفاع عن أطروحات تعود لعقود مضت دون تقديم بدائل واقعية.
قضية الصحراء المغربية ليست مجرد ملف نزاع إقليمي، بل هي اختبار حقيقي لمدى قدرة الإعلام العربي على تجاوز الخطابات العدائية نحو طرح رؤى ناضجة ومسؤولة. فالبيان الصادر عن الاتحاد العام للصحفيين العرب قد لا يكون مثالياً، لكنه يمثل خطوة نحو الاعتراف بالحقائق الميدانية والابتعاد عن التوظيف السياسي الضيق الذي يخدم أجندات معينة على حساب المهنية الإعلامية.
فتمسك النظام الجزائري بموقفه المتصلب تجاه قضية الصحراء المغربية لم يعد سوى عائق أمام حل النزاع بما يخدم استقرار المنطقة، ودفاعه المزعوم عن حقوق الشعوب بات مكشوفاً، بعدما أظهر المنتظم الدولي، سواء عبر قراراته أو مواقفه، دعماً واضحاً للمغرب ورؤيته للحل. اليوم، تجد الجزائر نفسها في مواجهة عزلة متزايدة، فيما يواصل المغرب تعزيز موقعه كدولة مسؤولة ومؤثرة إقليمياً ودولياً.
ويبقى الحل الأمثل هو تعزيز الحوار والتواصل بين مختلف الفاعلين الإعلاميين والسياسيين في العالم العربي من أجل تجاوز خطاب الكراهية والتصعيد، والعمل على بناء جسور الثقة والتفاهم، هي الخطوات الضرورية للارتقاء بالإعلام العربي وجعله رافعة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. لأن مواجهة التحديات الحالية تتطلب من الجميع اليوم التحلي بروح المسؤولية، بعيداً عن التصعيد الذي لن يخدم سوى المصالح الضيقة لأطراف بعينها.