
فاعل جمعوي حسام كلاعي يكتب و يوثق لحظة خروج ساكنة مدينة العرائش إلى الشرفة الأطلسية ..
يا من تظنون أن صوت المدينة خفتَ، انظروا إلى هذه الحشود التي ملأت الشرفة الأطلسية عن آخرها !
وجوهٌ من كلّ الأعمار، نساءٌ ورجال، طلبةٌ وعمال، يرفعون لافتاتٍ وأيديهم ممدودةٌ إلى السماء في مشهدٍ يهزُّ الصمت ويبدّد ادّعاءات «الاكتفاء» و«الرضى». هذه الوقفة الحاشدة ليست مجرّد تعبيرٍ عابر عن الامتعاض؛ إنّها صرخةُ ضميرٍ جماعيّ يرفض أن يُختَزل تاريخ العرائش وهويتها في مشاريع مرتَجَلة، ويطالبُ بحقّ المدينة في تنميةٍ تراعي الإنسان والمكان معًا.
من قلب الليل صدحت الحناجر: «كفى تهميشًا ! كفى عبثًا !». كل هاتفٍ مضاءٍ كان شمعةً في وجوهٍ تتّقد بالعزم على حماية ما تبقّى من روح المدينة. لم تُرهبهم محاولاتُ الإيهام بأنّ «الأمور تحت السيطرة»، بل رسّخوا حقيقةً جليّة: الشارع هو البوصلة، ووعي المواطنين هو الحكم. وفي الوقت الذي يُسَوَّق فيه لافتتاح «عشوائيّ» لمشروع غير مكتمل، كانت هذه الجموع تُعلن افتحاصَها الشعبي الصارم لكلّ تفصيلة: من أسلاك الكهرباء المكشوفة إلى المعدّات التي تُركت فوضى في فضاءٍ يُفترض أنّه للناس لا عليهم.
إن الرسالة بلغت مداها: العرائش ليست ورقةَ اختبارٍ لتجاربٍ إنشائية تُدار خلف الأبواب الموصدة. كلُّ تأخيرٍ في الاستماع إلى هذه الأصوات يزيد الاحتقان ويرسّخ القناعة بأنّ التنمية الحقيقية لا تولَد من مقاولات الإسمنت فقط، بل من احترام ذاكرة المكان وكرامة ساكنيه. وعلى المسؤولين – من الجماعة إلى العمالة – أن يدركوا أنّهم أمام جيلٍ لا يساوم على حقّه في مدينةٍ تحفظ تاريخها وتفتح أفقها لأبنائها بالعدل والشفافية.

سيكتب التاريخ أنّ ليلةَ الاحتجاج هذه كانت نقطةً فارقة: فلن يَسعَ أحدٌ بعد اليوم إلى تمرير مشروعٍ فوق رؤوس الناس، أو طمس حقيقة تحت عباءة الاحتفال. لقد ارتفعت الأيادي واللافتات، وصار الالتزامُ بحماية العرائش فرضًا لا خيارًا. فمن أراد أن يبني، فليبنِ أوّلًا جسور الثقة؛ ومن أراد أن يُهيِّئ، فليُهيِّئ مسارات المشاركة، وإلاّ فإنّ الشارع – كما رأيتموه – حاضرٌ ليقول كلمته، وبقوّة.